( قال ) : وإذا
قذف الحر المسلم امرأته الحرة المسلمة بالزنا ، فإن كفت عن مرافعته فهي امرأته ; لأن حقيقة زناها لا ينافي بقاء النكاح بينهما فالنسب إلى الزنا أولى ، واللعان هنا كالحد في قذف الأجانب ، وذلك لا يستوفى إلا بطلب المقذوف فهذا مثله ، وإن دفعته بدأ الإمام بالرجل فأمره أن يلاعن كما قال الله تعالى في كتابه . يقوم فيشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين فيما رماها به من الزنا والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين فيما رماها به من الزنا ثم تقوم المرأة فتشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين فيما رماها به من الزنا والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين فيما رماها به من الزنا أما قيامهما ليس بشرط فسره
الحسن عن
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة رحمه الله تعالى قال : لا يضره اللعان قائما أو قاعدا ; لأن اللعان شهادة أو يمين فالقائم والقاعد فيه سواء .
[ ص: 43 ] وذكر في النوادر عن
الحسن عن
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة رحمه الله تعالى أنه لا بد أن يقول إني لمن الصادقين فيما رميتك به من الزنا ، وهي تقول أنت من الكاذبين فيما رميتني به من الزنا ; لأنه إذا ذكر بلفظة الغائبة يتمكن فيه شبهة واحتمال فلا بد من لفظ الخطاب وفي ظاهر الرواية لم يعتبر هذا ; لأن كل واحد منهما يشير إلى صاحبه ، والإشارة أبلغ أسباب التعريف فإذا فرغا من اللعان ، فرق الإمام بينهما لحديث
nindex.php?page=showalam&ids=31سهل بن سعد رضي الله عنه {
nindex.php?page=hadith&LINKID=80376أن النبي صلى الله عليه وسلم لما لاعن بين العجلاني وامرأته فقال العجلاني : كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها ، فهي طالق ثلاثا ففارقها قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يفارقها } فكانت سنة في المتلاعنين أن يفرق بينهما .
ثم الفرقة لا تقع عندنا إلا بتفريق القاضي ، وعند
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رضي الله تعالى عنه تقع بنفس لعان الزوج ، وعلى قول
nindex.php?page=showalam&ids=15922زفر رحمه الله تعالى يقع الفرقة بلعانهما
nindex.php?page=showalam&ids=13790فالشافعي رحمه الله تعالى يقول : سبب هذه الفرقة قول من الزوج مختص بالنكاح الصحيح فيتم به كالطلاق
nindex.php?page=showalam&ids=15922وزفر رحمه الله تعالى يستدل بقوله : صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=15112المتلاعنان لا يجتمعان أبدا } فنفي الاجتماع بعد التلاعن تنصيص على وقوع الفرقة بينهما ، ولكنا نستدل بالحديث الذي روينا فإن
العجلاني رضي الله تعالى عنه أوقع الثلاث عليها بعد التلاعن ولم ينكر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو وقعت الفرقة بينهما لأنكر عليه فإن قيل : قد أنكر عليه بقوله اذهب فلا سبيل لك عليها ( قلنا ) ذاك منصرف إلى طلبه رد المهر فإنه روي أنه قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=80377إن كنت صادقا فهو لها بما استحللت من فرجها وإن كنت كاذبا فابعد اذهب فلا سبيل لك عليها } ; ولأن الراوي قال فذلك السنة في المتلاعنين أن يفرق بينهما فدل أنه لا تقع الفرقة إلا بالتفريق ، وكان التفريق هنا بمنزلة فسخ البيع بسبب التحالف عند الاختلاف في الثمن ثم هناك لا ينفسخ البيع ما لم يفسخ القاضي ، فكذلك هنا ، وهذا لأن مجرد اللعان غير موضوع للفرقة ، ولا هو مناف للنكاح إلا أن الفرقة بينهما لقطع المنازعة ، والخصومة ، وفوات المقصود بالنكاح مع إصرارهما على كلامهما فلا يتم إلا بقضاء القاضي فأما قوله : صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=15112المتلاعنان لا يجتمعان أبدا } حقيقة هذا اللفظ حال تشاغلهما باللعان كالمتقاتلين والمتضاربين
nindex.php?page=showalam&ids=15922فزفر رحمه الله تعالى يوافقنا ، أن في حال تشاغلهما باللعان لا تقع الفرقة بينهما .
ثم ذكر عن
nindex.php?page=showalam&ids=12354إبراهيم رضي الله تعالى عنه قال : اللعان تطليقة بائنة وإذا أكذب الملاعن عن نفسه جلد الحد وكان خاطبا من الخطاب وبه أخذ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=16908ومحمد - رحمهما الله تعالى -
[ ص: 44 ] فقالا : الفرقة باللعان تكون فرقة بالطلاق ، وعلى قول
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف رحمه الله : تكون فرقة بغير طلاق بناء على أن عند
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف يثبت باللعان الحرمة المؤبدة بينهما وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رضي الله عنه وعند
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة - رحمهما الله تعالى - لا تتأبد الحرمة بسبب اللعان : حجتهما في ذلك قوله : صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=15112المتلاعنان لا يجتمعان أبدا } وهكذا نقل عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر nindex.php?page=showalam&ids=8وعلي nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود رضي الله عنهم والمعنى فيه أن سبب هذه الفرقة يشترك فيه الزوجان والطلاق يختص به الزوج فما يشترك الزوجان فيه لا يكون طلاقا .
ومثل هذا السبب متى كان موجبا للحرمة كانت مؤبدة كالحرمة بالرضاع : توضيحه أن ثبوت الحرمة هنا باللعان نظير حرمة قبول الشهادة بعد الحد في قذف الأجنبي ، وذلك يتأبد فكذلك هنا وحجة
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=16908ومحمد - رحمهما الله تعالى - أن الثابت بالنص اللعان بين الزوجين فلو أثبتنا به الحرمة المؤبدة كان زيادة على النص ، وذلك لا يجوز خصوصا فيما كان طريقه العقوبات ، ثم هذه فرقة تختص بمجلس الحكم ولا يتقرر سببه إلا في نكاح صحيح فيكون فرقة بطلاق كالفرقة بسبب الجب والعنة . وهذا ; لأن باللعان يفوت الإمساك بالمعروف فيتعين التسريح بالإحسان .
فإذا امتنع منه ناب القاضي منابه فيكون فعل القاضي كفعل الزوج وإذا ثبت أنه طلاق ، والحرمة بسبب الطلاق لا تتأبد ، فأما الحديث فقد بينا أن حقيقة المتلاعنين حال تشاغلهما باللعان ومن حيث المجاز إنما يسميان متلاعنين ما بقي اللعان بينهما حكما وعندنا لا يجتمعان ما بقي اللعان بينهما حكما وإنما تجوز المناكحة بينهما إذا لم يبق اللعان بينهما حكما ; لأنه إذا أكذب نفسه يقام عليه الحد لإقراره على نفسه بالتزام الحد ، ومن ضرورة إقامة الحد عليه بطلان اللعان ، ولا يبقى أهلا للعان بعد إقامة الحد ، وكذلك إن أقرت المرأة بالزنا فقد خرجت من أن تكون أهلا للعان ، وكذلك إن قذفت رجلا فأقيم عليها الحد فعرفنا أن حل المناكحة بينهما بعد ما بطل حكم اللعان فلا يكون في هذا إثبات الاجتماع بين المتلاعنين .