( قال ) وإذا
شهد الشهود على رجل بالزنا وعدلوا فلم يقض القاضي بالرجم حتى قتله إنسان بالسيف عمدا أو خطأ فعليه القصاص في العمد والدية على العاقلة في الخطأ ; لأن الشهادة لا توجب شيئا ما لم يتصل بها القضاء ، ألا ترى أنهم لو رجعوا بعد عدالتهم
[ ص: 63 ] لم يقض القاضي بشيء ولم يضمنوا للمشهود له شيئا ولو وجب حق المشهود له قبل القضاء بظهور عدالتهم لصاروا متلفين ذلك عليه بالرجوع فينبغي أن يضمنوا له ، ولما ثبت أن الشهادة لا توجب شيئا بدون القضاء فبقيت النفس معصومة على ما كانت قبل الشهادة فيجب القصاص على من قتله عمدا ، ولأن الشهادة قد بطلت بالقتل فإن القاضي لا يقضي بها بعد ذلك لفوات المحل فهو كما لو بطلت الشهادة برجوعهم ، فإن قضى القاضي برجمه ثم قتله إنسان عمدا أو خطأ أو قطع يده أو فقأ عينه لا شيء عليه ; لأنه قد صار مباح الدم بقضاء القاضي ، والفعل في محل مباح لا يكون سبب وجوب الضمان ، وكذلك لو رجع الشهود عن شهادتهم فلا شيء على الجاني ; لأن رجوعهم ليس بحجة في حق الجاني فوجوده كعدمه .
وإن وجد أحد الشهود عبدا بعد ما قتله الرجل عمدا ففي القياس عليه القصاص ; لأنه تبين أنه كان محقون الدم حين ظهر أن عدد الشهود لم يتكامل ، فإن العبد لا شهادة له ، ولأن هذا في معنى قتله إياه قبل قضاء القاضي ; لأنه قد تبين أن قضاء القاضي كان باطلا ولكنه استحسن فأبطل عنه القصاص وجعل عليه الدية في ماله في ثلاث سنين ; لأن القاضي قضى بإباحة دمه ، وصورة قضاء القاضي تكفي لإيراث الشبهة فإنه لو كان حقا كان مبيحا للدم ، فصورته تمكن شبهة كالنكاح الفاسد يجعل شبهة في إسقاط الحد ولهذا لا يجب القصاص على المولى إذا جاء المشهود بقتله حيا .
وإذا امتنع وجوب القصاص للشبهة وجبت الدية في ماله ; لأن القتل عمد والعاقلة لا تعقل العمد ولكن تجب الدية في ثلاث سنين ; لأن وجوبها بنفس القتل فإن كان هذا الرجل قتله رجما فلا شيء عليه ; لأنه ممتثل أمر القاضي فيكون فعله كفعل القاضي فلا يضمن شيئا ولكن هذا خطأ من الإمام فيما عمله لله تعالى فتجب الدية في بيت المال بخلاف الأول ; لأن هناك ما امتثل أمر القاضي في قتله إياه بالسيف ولهذا يؤدبه القاضي هناك على ما صنع ولا يؤدبه هنا ، وإن لم يكونوا أجهزوا عليه حتى ظهر أن أحد الشهود عبد فأرش الجراحة أيضا في بيت المال اعتبارا للبعض بالكل والمعنى الجامع أن الخطأ من الإمام في الوجهين