( قال ) وإن
مات المكاتب وترك وفاء فأديت مكاتبته فقذفه رجل فلا حد عليه لشبهة الاختلاف بين الصحابة رضي الله عنهم أنه مات حرا أو عبدا ، وقد بينا هذا فيما سبق وبعد ثبوت القذف يسأله البينة أنه حر يريد به إنه إذا زعم القاذف أن المقذوف عبد ، وقد بينا أن الحرية الثابتة بالظاهر لا تكفي لثبوت الإحصان واستحقاق الحد على القاذف ، وكذلك إذا ادعى القاذف أنه عبد
[ ص: 108 ] وعليه حد العبيد فالقول قوله فما لم يقم المقذوف البينة على حريته لا يقام عليه حد الأحرار فإن عرف القاضي حريته اكتفي بمعرفته ; لأن علم القاضي أقوى من الشهادة ، ولا يقال : كيف يقضي القاضي بالحد بعلمه ; لأن في حد القذف له أن يقضي بعلمه ، ولأنه إنما يقضي بالحرية هنا بعلمه والحرية ليست بسبب لوجوب الحد فإن
اختلف الشاهدان في الوقت أو المكان لم تبطل شهادتهما في قول
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة رحمه الله تعالى وعلى قولهما لا يحد القاذف بهذه الشهادة ، فالحاصل أن ما يكون قولا محضا كالبيوع والأقارير ونحوها فاختلاف الشهود في المكان أو الزمان لا يمنع قبول الشهادة ; لأنه مما يعاد ويكرر ويكون الثاني هو الأول فلا يختلف المشهود به باختلافهما في المكان والزمان ، وكذلك لو اختلفا في الإنشاء والإقرار ; لأن حقيقة الإنشاء والإقرار واحد في هذا الباب ومن هذه الجملة القرض ; لأن تمام القرض ، وإن كان بالتسليم ولكن تحمل الشهادة على قول المقرض أقرضتك ، وذلك قول فألحقه بالإقرار لهذا ، فأما الجناية والغصب ، وما أشبههما من الأفعال اختلاف الشهود في المكان والزمان والإقرار والإنشاء يمنع قبول الشهادة ; لأن الفعل مما لا يتكرر والإقرار بالفعل غير الفعل ، وما لم يتفق الشاهدان على شيء واحد لا يتمكن القاضي من القضاء به والنكاح من هذا النوع أيضا ; لأنه ، وإن كان قولا فلا يصح إلا بمحضر من شاهدين وحضور الشهود فعل فألحق بالأفعال لهذا ، وفي القول الذي لا يتم إلا بالفعل كالهبة والصدقة والرهن اختلاف معروف نذكره في الهبة والرهن .
فأما القذف
nindex.php?page=showalam&ids=14954فأبو يوسف nindex.php?page=showalam&ids=16908ومحمد رحمهما الله تعالى قالا : اختلاف الشهود فيه في المكان والزمان يمنع قبول الشهادة ; لأنه إنشاء سبب موجب للحد ، وما لم يتفق الشاهدان على سبب واحد لا يتمكن القاضي من القضاء ، ألا ترى أنهما لو اختلفا في الإقرار والإنشاء لم تقبل شهادتهما وألحق ذلك بالأفعال ؟ فكذلك لو اختلفا في الوقت والمكان ، وهذا ; لأن وجوب الحد بالتناول من عرض المقذوف فالشهادة عليه بمنزلة الشهادة على التناول من نفسه بالجناية
nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول القذف قول قد تكرر فيكون حكم الثاني حكم الأول فلا يختلف المشهود به باختلافهما في المكان والزمان كالطلاق والعتاق بخلاف الإقرار والأفعال ، وهذا هو القياس إذا اختلفا في الإنشاء والإقرار ، قال : إلا أني أستحسن هناك ; لأن حكم الإقرار بالقذف مخالف لحكم الإنشاء بالقذف ، ألا ترى أن من
تزوج امرأة ثم أقر أنه كان قذفها قبل أن يتزوجها فعليه الحد ، وإن قذفها في الحال لاعنها
[ ص: 109 ] وكذلك لو
أبان امرأته ثم أقر أنه كان قذفها قبل الإبانة فلا حد عليه ، ولا لعان ، ولو قذفها في الحال حد فلما كان حكم الإقرار مخالفا لحكم الإنشاء يتحقق الاختلاف بين الشاهدين إذا اختلفا في الإقرار والإنشاء ، فأما حكم القذف لا يختلف بالمكان والزمان فلا يتحقق الاختلاف بينهما في الشهود به ، وإن اختلفا في المكان والزمان