( قال )
رجل أقر أنه سرق من هذا مائة درهم ثم جاء آخر فقال : لم يسرقها هذا ، ولكني أنا سرقتها فقال المسروق منه كذبت ، فإنه يقطع الأول بخصومته ; لأنه صدقه في إقراره بالسرقة منه ، فأما إقرار الثاني ، فقد بطل بتكذيب المسروق منه إياه فصار كالمعدوم ، فإن
قال المسروق منه : لم يسرقها الأول ، فقد علمت وذكرت أن هذا الآخر هو الذي سرقه لم يقطع الآخر ، ولا الأول ; لأن دعواه على الأول براءة منه للآخر
[ ص: 192 ] ودعواه على الآخر براءة منه للأول ، ولأنه قد تناقض كلامه والخصومة من المناقض غير مسموعة وشرط القطع الخصومة ، فلهذا لا يقطع واحد منهما ، ولا يضمن الأول السرقة أيضا ; لأنه قد أبرأه منها بالدعوى على الآخر مكذبا له في إقراره ، وقد كذب الآخر في إقراره قبل هذا فلا ضمان له على واحد منهما ، ألا ترى أنه لو
أقر بأنه سرق منه فقال المقر له : كذبت ، ثم قال له : صدقت أنت سرقتها لم يكن له أن يضمنه شيئا ؟ وإن لم يقل : كذبت ولكنه قال : صدقت ، ثم قال آخر : أنا سرقتها فقال له : صدقت لم يقطع واحد منهما لمعنى التناقض ويضمن الآخر دون الأول ; لأنه بتصديق الآخر صار مكذبا للأول مبرئا له عما أقر به .
( فإن قيل ) فكذلك هو بتصديق الأول صار مكذبا للآخر .
قلنا : نعم لكن وجد من الآخر الإقرار له بعد ذلك التكذيب فيصح تصديقه في ذلك ، كمن أقر لإنسان بمال فكذبه ثم أقر له ثانيا به فصدقه كان له أن يأخذ المال ، وإن كان ذلك في شهادة لم يضمن واحد منهما شيئا ; لأن الشهادة لا توجب شيئا بدون القضاء ، ولا يقضي القاضي بها إلا إذا ترتبت على خصومة صحيحة ، وقد سقط اعتبار خصومته للتناقض ، ولأنه صار مكذبا كل فريق بتصديق الآخر كالمدعي إذا أكذب شاهده لم تقبل شهادته له