وإذا
كان المسلمون في سفينة فألقيت إليهم النار لم يضيق على أحد منهم أن يصبر على النار أو يلقي نفسه في البحر أما إذا كان
[ ص: 77 ] يرجو النجاة في أحد الجانبين تعين عليه ذلك لأنه مأمور بدفع الهلاك عن نفسه بما يقدر عليه وذلك في الميل إلى الطريق الذي يرجو النجاة فيه وإن كان يرجو النجاة في الجانبين يخير لاختلاف أحوال الناس فمنهم من يصبر على الماء فوق ما يصبر على النار ومنهم من يكون صبره على الدخان والنار أكثر على غم الماء وإن كان لا يرجو النجاة في واحد من الجانبين فعلى قول
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=14954وأبي يوسف رحمهما الله تعالى يتخير وعلى قول
nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد رحمه الله تعالى ليس له أن يلقي نفسه في الماء لأنه لو صبر على النار كان هلاكه بفعل العدو ولو ألقى نفسه كان هلاكه بفعل نفسه فيتعين عليه الصبر لذلك ولأنه إنما يجوز له أن يلقي في نفسه الماء لدفع الهلاك وذلك عند رجاء النجاة فيه فإذا كان لا يرجو النجاة لم يكن فعله دفعا للهلاك عن نفسه وهما يقولان أن طبائع الناس تختلف فمنهم من يختار غم الماء على ألم النار فهو بالإلقاء يدفع ألم النار عن نفسه لعلمه أنه لا يجد الصبر عليه فكان في سعة من ذلك لأنه مضطر ومن ابتلي ببليتين يختار أهونهما عليه ثم هو وإن ألقى نفسه مدفوع بفعل المشركين فقد ألجئوه إلى ذلك وأفسدوا عليه اختياره فلا يبقى فعله معتبرا بعد ذلك في إضافة الفعل إليه فلهذا يخير والله أعلم بالصواب .