ومن
أسلم من أهل الذمة قبل استكمال السنة أو بعدها قبل أن يؤخذ منه خراج رأسه سقط عنه ذلك عندنا وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي إن أسلم بعد كمال السنة لم يسقط عنه وإن أسلم قبل كمال السنة فله فيه وجهان وحجته في ذلك أنه دين استقر وجوبه في ذمته فلا يسقط عنه بإسلامه كسائر الديون وبيان الوصف وهو أنه مطالب بأدائه مجبر على ذلك محبوس فيه كسائر الديون أو أقوى حتى إذا بعث بالجزية على يد نائبه لا تقبل بخلاف سائر الديون وبأن كان لا تجب ابتداء على المسلم فلهذا لا يمنع بقاءه عليه بعد الإسلام كخراج الأراضي فالمسلم لا يبتدأ بتوظيف الخراج على الأرض ثم يبقي وكذلك الرق لا يبتدأ به المسلم ثم يبقى رقيقا بعد الإسلام وكذلك الفقير لا تجب عليه الزكاة ابتداء ثم تبقى إذا استهلك النصاب بعد الوجوب عليه وهذا لأنه مؤنة السكنى فالإسلام لا ينافي استيفاءه كالأجرة وإنما لا يجب عليه بعد الإسلام ابتداء لأنه صار من أهل دار الإسلام أصلا وهذا بدل حقن الدم بمنزلة المال الواجب بالصلح عن القصاص فالإسلام لا يمنع استيفاءه إذا حصل له الحقن به فيما مضى ولكن لا يجب بعد الإسلام ابتداء لأنه حقن دمه بالإسلام .
( وحجتنا ) في ذلك حديث
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم
[ ص: 81 ] قال {
nindex.php?page=hadith&LINKID=33870 : ليس على مسلم جزية } وفي حديث
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه أن ذميا طولب بالجزية فأسلم فقيل له : إنك أسلمت تعوذا فقال : إن أسلمت تعوذا ففي الإسلام لمتعوذ فرفع ذلك إلى
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه عنه فقال : صدق فأمر بتخلية سبيله والمعنى فيه ما قررنا أن الوجوب عليهم بطريق العقوبة لا بطريق الديون وعقوبات الكفر تسقط بالإسلام كالقتل والدليل على أنه نظير القتل أنه يختص بالوجوب عليه من يقتل على كفره حتى لا يوجب على النساء والصبيان وبه فارق خراج الأراضي والاسترقاق مع أن الاسترقاق عقوبة من حيث تبديل صفة المالكية بالمملوكية وقد تم ذلك حين استرق فهو عقوبة مستوفاة ووزانها جزية استوفيت قبل الإسلام ثم في حق المسلمين هذا المال خلف عن النصرة كما بينا وإذا أسلم فقد صار من أهل النصرة فيسقط ما هو خلف لأنه لا بقاء للخلف بعد وجود الأصل ولأن أخذ الجزية منهم بطريق الصغار كما قال تعالى {
وهم صاغرون } ولهذا لا تقبل منه لو بعثها على يد نائبه بل يكلف بأن يأتي به بنفسه فيعطي قائما والقابض منه قاعد وفي رواية يأخذ بتلبيبه فيهزه هزا ويقول : أعط الجزية يا ذمي وبعد الإسلام لا يمكن استيفاؤه بطريق الصغار لأن المسلم يوقر لإيمانه وإذا تعذر استيفاؤه من الوجه الذي وجب امتنع الاستيفاء لأنه لا يجوز أن يستوفي غير الواجب وإنما يتحقق استيفاء الواجب إذا استوفي بالصفة التي وجب وهذا بخلاف ما إذا استهلك النصاب في مال الزكاة بعد وجوبها لأن وجوب الزكاة على المسلم بطريق العبادة وبعدما افتقر يستوفي بطريق العبادة أيضا حتى لو خرج من أن يكون أهلا للعبادة بأن ارتد نقول بأنه لا يبقي وقد بينا أن الجزية ليست بدين ولا بدل عن السكنى ولا بدل عن حقن الدم ولئن سلمنا له ذلك فإنما هو بدل عن الحقن في المستقبل لا فيما مضى وقد استفاد الحقن بالإسلام فلا معنى لأخذ الجزية منه بعد ذلك وعلى هذا الخلاف لو مات بعد مضي السنة عندنا لا يستوفي الجزية من تركته وعنده يستوفي اعتبارا بسائر الديون .
وطريقنا ما قررنا في المسألة الأولى ولأن هذه صلة والصلات لا تتم إلا بالقبض وتبطل بالموت قبل التسليم كالنفقات ودليل أنها صلة ما بينا أنها ليست ببدل عن السكنى لأنه بعقد الذمة صار من أهل دارنا فإنما يسكن دار نفسه ولا يسكن ملك نفسه حقيقة وقولنا دار الإسلام نسبة للولاية فلا يستحق باعتباره الأجرة ولا هو بدل عن حقن الدم لأن الآدمي في الأصل محقون الدم والإباحة بعارض القتال فإذا زال ذلك بعقد الذمة عاد الحقن الأصلي
[ ص: 82 ] ولأن قتل الكافر جزاء مستحق لحق الله تعالى فلا يجوز إسقاطه بمال أصلا فإذا ثبت أنه ليس بعوض عن شيء عرفنا أنه صلة وفي الصلات المعتبر الفعل دون المال والأفعال لا يمكن استيفاؤها من التركة فإنما يبقى بعد الموت ما يمكن استيفاؤه .
ألا ترى أنه لو استأجر خياطا ليخيط ثوبه بيده فمات الخياط بطل العقد لأن المستحق الفعل ولا يمكن استيفاؤه من التركة .