وإن
طلب المرتدون أن يجعلوا ذمة للمسلمين لم يفعلوا ذلك بهم ; لأنه إنما تقبل الذمة ممن يجوز استرقاقه ، ولأن المرتدين كمشركي
العرب ، فإن أولئك جناة على قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهؤلاء على دينه ، وكما لا تقبل الذمة من مشركي
العرب عملا بقوله صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=31303لا يجتمع في جزيرة العرب دينان } فكذلك لا يقبل ذلك من المرتدين ، وإن طلبوا الموادعة مدة لينظروا في أمورهم فلا بأس بذلك إن كان ذلك خيرا للمسلمين ، ولم يكن للمسلمين بهم طاقة ; لأنهم لما ارتدوا دخلت عليهم الشبهة ، ويزول ذلك إذا نظروا في أمرهم ، وقد بينا أن المرتد إذا طلب التأجيل يؤجل إلا أن هناك لا يزاد على ثلاثة أيام لتمكن المسلمين من قتله ، وههنا لا طاقة بهم للمسلمين فلا بأس بأن يمهلوهم مقدار ما طلبوا من المدة لحفظ قوة أنفسهم ولعجزهم عن مقاومتهم ، وإن كانوا يطيقونهم ، وكان الحرب خيرا لهم من الموادعة حاربوهم ; لأن القتال معهم فرض إلى أن يسلموا قال الله تعالى : {
تقاتلونهم أو يسلمون } ، ولا يجوز تأخير إقامة الفرض مع التمكن من إقامته ، فإذا وادعوهم لم يأخذ الإمام منهم في الموادعة خراجا ; لأن ذلك حينئذ يشبه عقد الذمة ، وقد بينا أنه لا تقبل منهم الذمة فكذلك لا يؤخذ منهم على الموادعة خراج بخلاف أهل الحرب ، فإن أخذ منهم مالا جاز ; لأن العصمة زالت عن مالهم ، ألا ترى أنه لو ظهر المسلمون عليهم كانت أموالهم غنيمة ، وكذلك إن أخذوا شيئا من مالهم ملكوا ذلك بأي طريق أخذوا منهم .