وإذا
حضر المسافر الصلاة ولم يجد ماء إلا في إناء أخبره رجل أنه قذر وهو عنده مسلم مرضي لا يتوضأ به وهذا لأن
خبر الواحد حجة في أمر الدين في حق وجوب العمل به عندنا بخلاف ما يقوله بعض الناس أن ما لا يوجب علم اليقين لا يوجب العمل أيضا فإن
العمل بغير علم لا يجوز قال الله تعالى {
ولا تقف ما ليس لك به علم } .
( وحجتنا ) في ذلك قوله تعالى {
وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس } ومن ضرورة وجوب البيان على كل واحد وجوب القبول منه وفائدة القبول منه العمل به قال تعالى {
فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين } واسم الطائفة يتناول الواحد فصاعدا {
nindex.php?page=hadith&LINKID=80779وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم nindex.php?page=showalam&ids=202دحية الكلبي إلى قيصر ليدعوه إلى الإسلام وعبد الله بن أنيس إلى nindex.php?page=showalam&ids=16848كسرى ومع كل واحد منهما كتاب } فلو لم يكن خبر الواحد ملزما لما اكتفى ببعث الواحد {
nindex.php?page=hadith&LINKID=80780وبعث nindex.php?page=showalam&ids=8عليا nindex.php?page=showalam&ids=32ومعاذا رضي الله تعالى عنهما إلى اليمن } والآثار في خبر الواحد كثيرة ذكر
nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد بعد هذا بعضها وليس من شرط وجوب العمل أن يكون الخبر موجبا للعلم كما أنه ليس من شرط جواز العمل بما يخبر في المعاملات أن يكون موجبا للعلم حتى يكتفى فيها بخبر الواحد بالاتفاق والدليل عليه وجوب العمل بالقياس وغالب الرأي وإن لم يكن ذلك موجبا علم اليقين .
إذا عرفنا هذا فنقول : هذا المخبر بنجاسة الماء إما أن يكون عدلا مرضيا أو فاسقا أو مستورا فإن كان عدلا فليس له أن يتوضأ بذلك الماء لترجيح جانب الصدق في خبره لظهور عدالته وإن كان فاسقا فله أن يتوضأ بذلك الماء لترجيح جانب الصدق في خبره فإن اعتبار دينه يدل على صدقه في خبره واعتبار تعاطيه الكذب وارتكابه ما يعتقد الحرمة فيه دليل على كذبه في خبره فتتحقق المعارضة بينهما ولهذا أمر الله تعالى بالتوقف في خبر الفاسق بقوله تعالى {
فتبينوا } وعند المعارضة الأصل في الماء الطهارة فيتمسك به ويتوضأ وهذا بخلاف المعاملات فإنه يجوز الأخذ فيها بخبر الفاسق لأن الضرورة هناك تتحقق - فالعدل لا يوجد في كل موضع ولا دليل هناك يعمل به سوى الخبر وهنا لا ضرورة ومعنا
[ ص: 163 ] دليل آخر يعمل به سوى الخبر وهو أن الأصل في الماء الطهارة .
( فإن قيل ) : أليس أن
خبر الفاسق لا يقبل في رواية الأخبار وليس هناك دليل سوى الخبر .
( قلنا ) : الضرورة هناك لا تتحقق لأن في العدول الذين يروون ذلك الخبر كثرة يوضح الفرق أن الخبر في المعاملات غير ملزم فيسقط فيه اعتبار شرط العدالة وفي الديانات الخبر ملزم فلا بد من اعتبار شرط العدالة فيه وكذلك إن كان مستورا فألحق المستور في ظاهر الرواية بالفاسق وفي رواية
الحسن عن
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة رحمهما الله تعالى قال : المستور في هذا الخبر كالعدل وهو ظاهر على مذهبه فإنه يجوز
القضاء بشهادة المستورين إذا لم يطعن الخصم ولكن الأصح ما ذكره لأنه لا بد من اعتبار أحد شرطي الشهادة ليكون الخبر ملزما وقد سقط اعتبار العدد فلم يبق إلا اعتبار العدالة فإذا ثبت أن العدالة شرط قلنا ما كان شرطا لا يكتفي بوجوده ظاهرا كمن
قال لعبده : إن لم تدخل الدار اليوم فأنت حر ثم مضى اليوم فقال العبد لم أدخل وقال المولى : دخلت فالقول قول المولى لأن عدم الدخول شرط فلا يكتفي بثبوته ظاهرا لنزول العتق وكذلك إن كان المخبر عبدا لأن في أمور الدين خبر العبد كخبر الحر كما في رواية الأخبار وهذا لأنه يلزمه نفسه ثم يتعدى منه إلى غيره فلا يكون هذا من باب الولاية على الغير وبالرق يخرج من أن يكون أهلا للولاية فأما فيما هو إلزام يسوى بين العبد والحر لكونه مخاطبا وكذلك إن
كان المخبر امرأة حرة أو أمة كما في رواية الأخبار وهذا لأنها تلتزم كالرجل ثم يتعدى إلى غيرها
ورواية النساء من الصحابة رضي الله عنهم كانت مقبولة كرواية الرجال قال صلى الله عليه وسلم {
تأخذون شطر دينكم من nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة رضي الله عنها } ثم بين في الفاسق والمستور أنه يحكم رأيه فإن كان أكبر رأيه أنه صادق تيمم ولا يتوضأ به لأن أكبر الرأي فيما بني على الاحتياط كاليقين وإن
أراقه ثم تيمم كان أحوط وإن كان أكبر رأيه أنه كاذب توضأ به ولم يتيمم .
( فإن قيل ) : كان ينبغي أن يتيمم احتياطا لمعنى التعارض في خبر الفاسق كما قلنا في سؤر الحمار أنه يجمع بين التوضؤ وبين التيمم لتعارض الأدلة في سؤر الحمار .
( قلنا ) : حكم التوقف في خبر الفاسق معلوم بالنص وفي الأمر بالتيمم هنا عمل بخبره من وجه فكان بخلاف النص ولما ثبت التوقف في خبره بقي أصل الطهارة للماء فلا حاجة إلى ضم التيمم إليه واستدل بحديث
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله تعالى عنه حين ورد ماء حياض مع
nindex.php?page=showalam&ids=59عمرو بن العاص فقال
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر لرجل من أهل الماء : أخبرنا عن السباع أترد ماءكم هذا فقال
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه : لا تخبرنا عن شيء فلولا
[ ص: 164 ] أن خبره عد خبرا لما نهاه عن ذلك
nindex.php?page=showalam&ids=59وعمرو بن العاص بالسؤال قصد الأخذ بالاحتياط وقد كره
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله تعالى عنه لوجود دليل الطهارة باعتبار الأصل فعرفنا أنه ما بقي هذا الدليل فلا حاجة إلى احتياط آخر وإن كان
الذي أخبره بنجاسة الماء رجل من أهل الذمة لم يقبل قوله لا لأن الكفر ينافي معنى الصدق في خبره ولكن لأنه ظهر منهم السعي في إفساد دين الحق قال الله تعالى {
لا يألونكم خبالا } أي لا يقصرون في إفساد أمركم فكان متهما في هذا الخبر فلا يقبل منه كما لا يقبل
شهادة الولد لوالده لمعنى التهمة يقول : فإن وقع في قلبه أنه صادق فأحب إلي أن يريق الماء ثم يتيمم
وإن توضأ به وصلى أجزأه وفي خبر الفاسق قال : وإذا وقع في قلبه أنه صادق تيمم ولا يتوضأ به وهذا لأن الفاسق أهل للشهادة ولهذا نفذ القضاء بشهادته فيتأيد ذلك بأكبر رأيه
وليس الكافر من أهل الشهادة في حق المسلم يوضحه أن الكافر يلزم المسلم ابتداء بخبره ولا يلتزم ولا ولاية له على المسلم فأما الفاسق المسلم يلتزم وهو من أهل الولاية على المسلم .
( قال ) وكذلك الصبي والمعتوه إذا عقلا ما يقولان من أصحابنا رحمهم الله تعالى من يقول : مراده بهذا العطف أن الصبي كالبالغ إذا كان مرضيا ولأنه كان في الصحابة رضي الله تعالى عنهم من سمع في صغره ولو روى كان مقبولا منه وكما سقط اعتبار الحرية والذكورة يسقط اعتبار البلوغ كما في المعاملات والأصح أن مراده العطف على الذمي وأن
خبر الصبي والمعتوه في هذا كخبر الذمي لأنهما لا يلتزمان شيئا ولكن يلزمان الغير ابتداء فإنهما غير مخاطبين فليس لهما ولاية الإلزام فكان خبرهما في معنى خبر الكافر