صفحة جزء
. وإذا غصب سويقا فلته بسمن فصاحبه بالخيار إن شاء ضمنه قيمة سويقه ، وإن شاء أخذ سويقه ، وضمن للغاصب ما زاد السمن فيه ; لأن السمن في السويق زيادة وصف من مال الغاصب كالصبغ في الثوب .

وكذلك الدهن إذا خلط به مسكه ، وهذا إذا كان دهنا يطيب بالمسك ، فإن كان دهنا منتنا كدهن البرز ونحوه أخذه صاحبه ، ولم يضمن للغاصب شيئا ; لأن المسك صار مستهلكا فيه .

وإذا غصب ثوبا فصبغه أسود فلصاحب الثوب أن يأخذه ، ولا يعطيه شيئا في قول أبي حنيفة رحمه الله ، وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله السواد كالحمرة والصفرة ، ولا اختلاف في الحقيقة ، ولكن أبو حنيفة أجاب على ما شاهد في عصره من عادة بني أمية ، وقد كانوا ممتنعين من لبس السواد ، وهما أجابا على ما شاهدا في عصرهما من عادة بني العباس رضي الله عنه بلبس السواد ، وقد كان أبو يوسف يقول أولا بقول أبي حنيفة فلما قلد القضاء وأمر بلبس السواد ، واحتاج إلى التزام مؤنة في ذلك رجع وقال : السواد زيادة . وقيل : السواد يزيد في قيمة بعض الثياب ، وينقص من قيمة بعض الثياب كالغصب ونحوه .

فإن كان المغصوب ثوبا ينقص بالسواد من قيمته فالجواب ما قاله أبو حنيفة ، وإن كان ثوبا يزيد السواد في قيمته فالجواب ما قالا أنه بمنزلة الحمرة والصفرة ، وإن غصبه ثوبا فقطعه قميصا ولم يخطه فهو بالخيار إن شاء ضمن قيمته ، وإن شاء أخذ الثوب ، وضمنه ما نقصه القطع ; لأن القطع نقصان فاحش في الثوب ، فإنه قبل القطع كان يصلح لاتخاذ القباء والقميص ، وبعد ما قطع قميصا لا يصلح لاتخاذ القباء منه على الوجه الذي كان يصلح قبل القطع .

فكان مستهلكا من وجه قائما من وجه ، فإن شاء مال صاحبه إلى جانب الاستهلاك ، وضمنه قيمته ، وإن شاء مال إلى جانب البقاء وأخذ عين الثوب ، وضمنه نقصان القطع ; لأن [ ص: 86 ] الثوب ليس بمال الربا ، وتضمين النقصان في مثله مع أخذ العين جائز شرعا ، وكذلك إذا نقصه الصبغ الأسود فله أن يأخذه ، ويضمنه ما نقصه ; لأن الصبغ الأسود في مثله نقصان فاحش ، وهو كالاستهلاك من وجه ; لأن قبله كان متمكنا من إحداث أي لون شاء فيه ، وقد خرج من أن يكون صالحا لذلك ، والصبغ الأسود من الثوب لا يمكن قلعه عادة ، وبه يفرق أبو حنيفة بينه وبين سائر الألوان .

التالي السابق


الخدمات العلمية