( رجل ) غصب من رجل ثوبا ، ثم إن الغاصب كسا الثوب رب الثوب فلبسه حتى تخرق ، ولم يعرفه ، فلا شيء له على الغاصب ، وكذلك
المكيل والموزون إذا غصب منه ثم أطعمه إياه بعينه أو وهبه فأكله ولم يعرفه ، فالغاصب بريء عن الضمان عندنا ، وفي أحد قولي
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رضي الله تعالى عنه لا يبرأ ; لأنه ما أتى بالرد المأمور به ، فإنه غرور منه ، والشرع لا يأمر بالغرور ، والغاصب لا يستفيد البراءة إلا بالرد .
فإذا لم يكن يوجد صار ضامنا ، ولأنه ما أعاد إلى ملكه كما كان ; لأن المباح له الطعام لا يصير مطلق التصرف فيما أبيح له ، فكان فعله قاصرا في حكم الرد ، فلو جعلنا هذا ردا تضرر به المغصوب منه ; لأنه إقدام على الأكل بناء
[ ص: 100 ] على خبره أنه أكرم ضيفه ، ولما علم أنه ملكه ربما لم يأكله ، وحمله إلى عياله فأكله معهم فلدفع الضرر عنه بقي الضمان على الغاصب . وحجتنا في ذلك أن الواجب على الغاصب نسخ فعله ، وقد تحقق ذلك .
أما من حيث الصورة فلأنه ، وصل إلى يد المالك ، وبه ينعدم ما كان فائتا . ومن حيث الحكم فلأنه صار به متمكنا من التصرف حتى لو تصرف فيه نفذ تصرفه غير أنه جهل بحاله ، وجهله لا يكون مبقيا للضمان في ذمة الغاصب مع تحقق العلة المسقطة ، كما أن جهل المتلف لا يكون مانعا من وجوب الضمان عليه مع تحقق الإتلاف إذا كان يظن أنه ملكه .
وقد بينا أن الغرور بمجرد الخبر لا يوجب حكما ، إنما المعتبر ما يكون في ضمن عقد ضمان ، ولم يوجد ذلك ، فإن الغاصب المضيف ما شرط لنفسه عوضا ، ولأن أكثر ما في الباب أن لا يكون فعل الغاصب هو الرد المأمور به ، ولكن تناول المغصوب منه عين المغصوب كاف في إسقاط الضمان عن الغاصب ، ألا ترى أنه لو
جاء إلى بيت الغاصب ، وأكل ذلك الطعام بعينه ، وهو يظن أنه ملك الغاصب برئ الغاصب من الضمان ، فكذلك إذا أطعمه الغاصب إياه ، وإن
كان الغاصب قد نبذ التمر ، ثم سقاه فهو ضامن للتمر ; لأنه بدل العين بما صنع ، وتقرر ضمان التمر في ذمته ، فسقي النبيذ إياه لا يكون ردا للعين المغصوب منه ، ولا أداء الضمان . وكذلك كل ما يشبهه كالدقيق إذا خبزه ثم أطعمه ، أو اللحم إذا شواه ثم أطعمه .