صفحة جزء
. وإن كانت الوديعة عند رجلين - من ثياب أو غيرها - فاقتسماها وجعل كل واحد منهما نصفها في بيته ، فهلك أحد النصفين ، أو كلاهما : فلا ضمان عليهما . وهكذا أمر الناس ; لأنهما لا يستطيعان أن يجتمعا على حفظها في مكان واحد ; لما بينا أن المودع إنما يلتزم الحفظ بحسب إمكانه . ومعلوم أنهما لا يقدران على أن يتركا جميع أشغالهما ، ويجتمعا في مكان واحد لحفظ الوديعة . والمالك لما أودعهما - مع علمه بذلك - فقد صار راضيا بقسمتها وحفظ كل واحد منهما للنصف دلالة ، والثابت بالدلالة كالثابت بالنص . وإن أبيا القسمة وأودعاه عند رجل ، فهلك : ضمناه ; لتركهما ما التزماه من الحفظ والمستبضعان والوصيان ، والعدلان في الرهن قياس المودعين في ذلك ، فإن تركها أحدهما عند صاحبه - وإن كان ذلك شيئا لا يحتمل القسمة - فلا ضمان على واحد منهما إذا هلك ; لأن المالك لما أودعهما - مع علمه أنهما لا يجتمعان على حفظه آناء الليل والنهار - فقد صار راضيا بحفظ كل واحد منهما لجميعه .

ألا ترى أنهما يتهايآن في الحفظ ، وفي مدة المهايأة يتركه كل واحد منهما عند صاحبه في نوبته .

فإن كان شيئا يحتمل القسمة ، فتركه أحدهما عند صاحبه : فلا ضمان على الذي هلك في يده ; لأنه مقبل على حفظه ، وهو في نصيب صاحبه مودع المودع . ومودع المودع عند أبي حنيفة لا يضمن . فأما الدافع عند أبي حنيفة - رحمه الله - فإنه ضامن للنصف ; لأنه ترك الحفظ الذي التزمه مع الإمكان ، فإنهما يتمكنان من القسمة ; ليحفظ كل منهما نصفه ، وعندهما لا يضمن شيئا ; لأنه لما ائتمنهما ، فقد صار راضيا بحفظ كل واحد منهما له ، كما لا يحتمل القسمة . وقول أبي حنيفة أقيس ; لأن رضاه بأمانة اثنين لا يكون رضا بأمانة واحد ، فإذا كان الحفظ منهما يتأتى عادة ، لا يصير راضيا بحفظ أحدهما للكل وحده .

التالي السابق


الخدمات العلمية