قال : ( وإن
جاء أحدهما بألف درهم ، والآخر بألفي درهم فاشتركا على أن الربح والوضيعة نصفان : فهذه شركة فاسدة ) ، ومراده أن شرط الوضيعة هلاك جزء من المال ، فكأن صاحب الألفين شرط ضمان شيء مما يهلك من ماله على صاحبه ، وشرط الضمان على الألفين فاسد ، ولكن لا يبطل بهذا أصل العقد ; لأن جواز الشركة باعتبار الوكالة ، والوكالة لا تبطل بالشروط الفاسدة ، وإنما تفسد الشروط وتبقى الوكالة ، فكذا هذا . فإن عملا على هذا فوضعا ; فالوضيعة على قدر رءوس أموالهما ، لأن الشرط بخلافه كان باطلا ، وإن ربحا فالربح على ما اشترطا ; لأن أصل العقد كان صحيحا ، واستحقاق الربح بالشرط في العقد ، فكان بينهما على ما اشترطا . وإن
اشترطا الربح والوضيعة على قدر رأس المال ، والعمل من أحدهما بعينه ، كان ذلك جائزا ; لأن العامل منهما معين لصاحبه في العمل له في ماله حين لم يشترط لنفسه شيئا من ربح مال صاحبه ، فهو كالمستبضع في مال صاحبه .
( وإن )
اشترطا الربح نصفين ، والوضيعة على رأس المال ، والعمل عليهما : جاز ذلك ; لأن صاحب الألف شرط لنفسه جزءا من ربح مال صاحبه ، وهو السدس ، بعمله فيه ; فيكون في معنى المضارب له . إلا أن معنى المضاربة تبع لمعنى الشركة ، والمعتبر موجب الأصل - دون التبع - فلهذا لا يضرهما اشتراط العمل عليهما . فإن عملاه ، أو عمل أحدهما ، فالربح على ما اشترطا ; لأن الاستحقاق - بعد صحة العقد - بالشرط لا بنفس العمل . وقد كان العمل مشروطا عليهما ، فلا يضرهما تفرد أحدهما بإقامة العمل ، وكذلك إن اشترطا العمل على صاحب الألف . ووجه الجواز هنا أبين ; لأن صاحب الألفين دفع إليه ماله ليعمل فيه بسدس الربح ، فإن المشروط له نصف الربح ، ثلث الربح حصة رأس ماله ، وسدسه إلى تمام النصف يستحق من مال صاحبه بعمله فيه ،
واشتراط العمل على المضارب يصحح المضاربة ، ولا يبطلها . ( فإن قيل ) : إذا كان يعمل هو في شيء شريك ، فكيف يستوجب عوض
[ ص: 159 ] عمله على شريكه ؟ ( قلنا ) : استحقاق الربح بطريق الشركة لا بطريق الإجارة ، ولهذا لا يشترط فيه تسمية مقدار العمل ، ولا بيان المدة ، والعامل فيما هو شريك فيه لا يستوجب الأجر ; لأن استحقاق الأجر بنفس العمل . فإذا العامل فيما هو شريك فيه يستحق الربح بالشرط في عقد صحيح ، وإن اشترطا العمل على صاحب الألفين لم تجز الشركة ; لأن العامل شرط لصاحبه جزءا من ربح ماله من غير أن يكون له فيه رأس مال ، أو عمل ، وذلك باطل ; فإن استحقاق الربح باعتبار العمل والمال ، أو العمل ، أو الضمان ، ولم يوجد شيء من ذلك لصاحب الألف في مال صاحب الألفين ; فكان اشتراطه جزءا من الربح له باطلا ، والربح بينهما على قدر رءوس أموالهما ; لأن العامل لم يطمع في شيء من ربح مال صاحب الألفين حين لم يشترط شيئا من ذلك لنفسه .