صفحة جزء
قال : ( فإن ادعى ذو اليد عينا في يده أنه له خاصة ، وهبه شريكه منه حصته فيه ، وأقام البينة على الهبة والقبض قبل ذلك منه ) ومحمد رحمه الله يستدل بهذا على أبي يوسف رحمه الله ، ولا حجة له فيه على أبي يوسف رحمه الله ; لأن هنا بينته مقبولة - سواء فسر شهود المدعي بشهادتهم أو لم يفسروا - . ثم الفرق أنه ليس في قبول هذه البينة إبطال القضاء الأول في هذا العين بل فيها تقرير القضاء الأول ; لأن القضاء الأول بالملك للمدعي ، وإنما تصح الهبة باعتبار ملكه بخلاف الأول مع قبول البينة هناك إبطال القضاء الأول فيما تناوله القضاء . قال : ألا ترى أنهما لو شهدا أن هذا العبد الذي في يده مشترك بينهما ، وقضى القاضي بذلك ثم أقام ذو اليد البينة أن المدعي وهبه له ، أو تصدق به عليه قبلت بينته . ولو أقام البينة أنه ورثه عن أبيه وهو يملكه ، أو أن رجلا آخر وهبه منه ; لم تقبل بينته على ذلك ، والفرق ما بينا . فكذلك في المفاوضة . وإن ادعى أنه شريكه شركة مفاوضة ، والمال في يد المدعى عليه ، فأقر له بالمفاوضة وقضى عليه بإقراره ، ثم ادعى عبدا مما كان في يده أنه ميراث له ، أو وهبه من فلان فأقام البينة على ذلك ; قبل ذلك وقضي له بالعبد ، وهو دليل لمحمد رحمه الله أيضا من الوجه الذي قلنا أن الثابت بالبينة كالثابت بإقرار الخصم . ولكن الفرق بينهما لأبي يوسف رحمه الله من وجهين ( أحدهما ) : أن ذا اليد هنا مقر بالمفاوضة مدع الميراث ، ولا منافاة بينهما ، وقد أثبت دعواه بالبينة فوجب قبول بينته . ألا ترى أنه لو لم يكن له بينة لما كان يستحلف خصمه ، وفي الأول ذو اليد جاحد مدعى عليه ، وقد صار مقضيا عليه بحجة صاحبه . ألا ترى أنه لو ادعى الميراث ، ولم يكن له بينة لم يكن له أن يستحلف خصمه ، فعرفنا بهذا أنه منكر ، والمنكر لا يكون مدعيا ; فلهذا لم تقبل بينته .

( والثاني ) أن الإقرار موجب الحق بنفسه بدون القضاء ، وإنما يقضي القاضي بالإقرار فقط ; ولهذا قلنا : إن استحقاق الملك بالإقرار لا يظهر في حق الزوائد المنفصلة ، فأما البينة لا توجب إلا بقضاء القاضي ، وإنما يقضي القاضي بما هو المقصود ، وهو كون المال مشتركا بينهما ; فلهذا لا يقبل بينة ذي اليد بعد ذلك . وكذلك لو كان المال في يديهما جميعا ، وهما مقران بالمفاوضة فادعى أحدهما شيئا من ذلك أنه له ميراث ، وأقام البينة قبلت بينته ; لأنه مدع أثبت دعواه بالحجة . وإن لم يكن له بينة استحلف صاحبه ; [ ص: 187 ] لأنه منكرها لو أقر به يلزمه ، ولا إشكال في هذا الفصل أنه لو ادعى تملك نصيب صاحبه عليه بالهبة ، وأقام البينة على ذلك أن بينته تكون مقبولة .

التالي السابق


الخدمات العلمية