قال : ( وإذا
أودع أحد المتفاوضين من مالهما وديعة عند رجل فادعى المستودع أنه قد ردها إليه أو إلى صاحبه فالقول قوله مع يمينه ) ; لأنه مسلط على الرد على كل واحد منهما أمين فيه فإنه كما يقوم أحدهما مقام صاحبه في الإيداع ، فكذلك في الاسترداد . فلهذا كان القول قول المودع مع يمينه فإن جحد الذي ادعى عليه ذلك لم يضمن ; لقوله لشريكه شيئا ; لأن قول المودع مقبول في براءة نفسه عن الضمان لا في وصول المال إلى من أخبر بدفعه إليه . ألا ترى أن المودع لو كان وصيا فادعى المودع الرد عليه لا يعزم الوصي لليتيم شيئا . وكذلك لو
أمره أن يقضي الوديعة دينه ، فقال : قد فعلت ، وقال صاحب الدين : ما قضيت شيئا ; فالقول قول المودع في براءته ، ودين الطالب على المودع بحاله . ولكن يحلف الشريك الذي ادعى المودع الرد إليه بالله ما قبضته ; لأن شريكه يدعي عليه ضمان نصيبه بجحوده القبض ، ولو أقر بذلك لزمه ، فإذا أنكر حلفه عليه . ( وكذلك ) لو
مات أحدهما ثم ادعى المستودع أنه كان دفعه إلى الميت منهما ; لأنه بقي أمينا بعد موته . ألا ترى أن قوله في الرد مقبول في حق ورثة المودع ، فكذلك في حق شريكه . ثم يستحلف الورثة على العلم ; لأن المورث لو كان حيا ، وأنكر القبض استحلف لشريكه ، فكذلك بعد موته . إلا أنه إذا كان حيا فإنما يستحلف على فعل نفسه ، والورثة يستحلفون على فعل المورث بالقبض . فقد بينا أن الاستحلاف على فعل الغير يكون على العلم ، فإن ادعى أنه دفعه إلى ورثة الميت فكذبوه ، وحلفوا أنهم ما قبضوه ، فهو ضامن لنصف حصة الحي من ذلك ; لأن في نصيب الميت كان له حق الدفع إلى ورثته ، وقد أخبر بأداء الأمانة في ذلك . فأما نصيب الحي فليس له أن يدفعه إلى ورثة الميت ; لأنهم خلفاء الميت في حقه خاصة ، ولأن المفاوضة قد انقضت بالموت ، فهو في نصيب الحي مقر بوجوب الضمان له على نفسه يدفعه إلى ورثة الميت ، ثم يكون ذلك النصف بين الحي وورثة الميت نصفين ;
[ ص: 192 ] لأن المودع لم يصدق في وصول شيء من المال إلى ورثة الميت ، وإنما يصدق في براءته عن الضمان ، فيجعل ذلك النصف كالناوي ، والمال المشترك ما ينوى منه ينوى على الشركة ، وما يبقى يبقى على الشركة .
( ولو
قال : دفعت المال إلى الذي أودعني بعد موت الذي يودعني ، وحلف على ذلك ; فهو بريء من الضمان ) ; لأنه يدعي أداء الأمانة في الكل ، فإن للمودع حق الرد على من قبض منه - مالكا كان أو غير مالك - فرده عليه بعد انتقاض المفاوضة بينهما كرده في حال قيام المفاوضة . ولا يصدق على إلزام الحي شيئا بعد أن يحلف ( ما قبضه ) . فإن كان المودع ميتا ، فقال المستودع : قد دفعت المال إليكما جميعا ، إلى الحي نصفه وإلى ورثة الميت نصفه ، وجحدوا ذلك ; فالقول قول المستودع مع يمينه . وهو بريء ; لأنه يخبر عن أداء الأمانة بإيصال نصيب كل واحد منهما إليه . فإن أقر أحد الفريقين بقبض النصف شركه الفريق الآخر فيه ; لأن بإقراره يثبت وصول النصف إليه ، وبدعوى المودع لم يثبت وصول النصف الآخر إلى صاحبه فيما يثبت القبض فيه يكون مشتركا ، وما وراء ذلك يكون ناويا . قال : ( وإن
كانا حيين وقال المستودع : قد دفعت المال إليهما فأقر أحدهما بذلك وجحده الآخر : فالمستودع بريء ولا يمين عليه ) ; لأن تصديق أحدهما إياه في حال قيام المفاوضة كتصديقهما ، ولو صدقاه لم يكن يمين . وإن افترقا ، ثم قال المستودع : دفعته إلى الذي أودعني فهو بريء ; لأن حق الرد على المودع باعتبار أن الوصول إلى يده كان من جهته لا بقيام المفاوضة بينهما . وإن قال : دفعته إلى الآخر وكذبه ذلك ضمن نصف ذلك المال للذي أودعه ; لأن بعد الفرقة ليس له حق دفع نصيب المودع إلى شريكه ، وله حق دفع نصيب الشريك إليه ، فكان هو في نصيب الشريك مخبرا بأداء الأمانة ، وفي نصيب المودع مقرا بالضمان على نفسه يدفعه إلى غيره . ثم ما يقبضه المودع يكون بينهما نصفين ; لأن المودع غير مصدق في وصول نصيب الشريك إليه لما كذبه ، فجعل ذلك كالناوي ، فكان ما بقي بينهما نصفين . وإن صدقه الشريك بذلك فالمودع بالخيار : إن شاء ضمن شريكه نصيبه ; لأنه قبضه ، ولا حق له فيه ، وإن شاء ضمن المودع ; لأنه دفع نصيبه إلى شريك بعد انتقاض المفاوضة بينهما ، والدافع بغير حق ضامن كالقابض .