ثم
شرط حل التناول منها فيما يحل منها بالذكاة قال الله تعالى : {
إلا ما ذكيتم } وزعم بعض
العراقيين من مشايخنا رحمهم الله أن الذبح والتذكية محظور بالعقل لما فيها من إيلام الحيوان ، وهذا عندي باطل فقد {
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتناول من اللحم قبل مبعثه } ولا يظن أنه كان يتناول ذبائح المشركين ; لأنهم كانوا يذبحون باسم الأصنام فعرفنا أنه كان يذبح ويصطاد بنفسه ، وما كان يفعل ما هو محظور عقلا كالظلم والكذب والسفه ، فإنه لا يجوز أن يظن به أنه فعل ذلك قط ، ثم في الذبح والاصطياد تحصيل منفعة الغذاء لمن هو المقصود من الحيوانات وهو الآدمي . فيكون ذلك سببا مباحا إليه ، وأشار الله تعالى في قوله : {
هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا } والإيلام لهذا المقصود ، فلا يكون محظورا عقلا كالفصد والحجامة مندوب ، وشرب الأدوية الكريهة في وقتها .
والذكاة لغة التوقد ، والتلهب الذي يحدث في الحيوان بحدة لأدلة سميت الشمس ذكاء لشدة الحرارة ، وسمي الرجل الذي في خاطره حدة ذكيا ، فبهذا يتبين أن اشتراط الذكاة لتطييب اللحم به ، فإنه نوع نضج ; ولهذا كان المذكى أطيب لحما من الميتة وأبعد من النسيس والفساد ، وقيل : الذكاة عبارة عن تسييل الدم الفاسد النجس ، فإن المحرم في الحيوان الدم المسفوح قال الله تعالى في جملة المحرمات : {
أو دما مسفوحا } فكانت الذكاة إزالة للخبث ، وتطييبا بتمييز الطاهر من النجس ، وهو نوعان : الذبح في المذبح عند القدرة عليه قال صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=14209الذكاة ما بين اللبة واللحيين } ، وبالجرح في أي موضع أصابه عند تعذر الذبح في المذبح ثم يحصل بعض ذلك بالجرح والتكليف بحسب الوسع ، ففي كل موضع يكون الذبح في المذبح مقدورا له لا يثبت الحل إلا به ، وفي كل موضع تعذر يقوم الجرح مقامه .