صفحة جزء
وعن عبد الله بن يزيد قال : سألت سعيد بن المسيب رضي الله تعالى عنه عن شيء كان قومي يصفونه بالبادية ينصبون السنان فيصبح وقد قتل الضبع ، فقال لي : وإنك ممن يأكل الضبع . ؟ قلت : ما أكلتها قط ، فقال رجل عنده : حدثنا أبو الدرداء رضي الله تعالى عنه { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل كل ذي خطفة ونهبة ومجثمة وعن كل ذي ناب من السباع } فقال ابن المسيب رضي الله تعالى عنه صدقت ، وفي هذا دليل على أن الضبع غير مأكول اللحم ، وهو مذهبنا ، وقال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى ولا بأس بأكل الضبع { لحديث جابر رضي الله تعالى عنه أنه سئل عن الضبع أصيد هو . ؟ قال : نعم ، فقيل : يؤكل لحمه . ؟ قال : نعم فقيل : أشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم . ؟ قال : نعم } وحجتنا في ذلك الحديث الذي روينا وحديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن { رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل كل ذي ناب من السباع ، ومخلب من الطير } ولأنه ذو ناب يقاتل بنابه ، فلا يؤكل لحمه كالذئب ، وتأثيره ما ذكرنا أنه مستخبث باعتبار ما فيه من القصد إلى الأذى والبلادة ، فيدخل في جملة قوله تعالى : { ويحرم عليهم الخبائث } وحديث جابر رضي الله تعالى عنه إن صح فتأويله أنه كان في زمن الابتداء ثم انتسخ بنزول الآية ، وهذا لأن الحرمة ثابتة شرعا فما يروى من الحل يحمل على أنه كان قبل ثبوت الحرمة ، ولا خلاف في أن الضبع صيد بحسب الجزاء على المحرم بقتله عندنا ; لأنه صيد ، وعنده لأنه مأكول اللحم ، فأما معنى حديث أبي الدرداء رضي الله عنه فالمراد بالخطف ما يختطف بمخلبه من الهواء كالبازي والعقاب والشاهين ، والمنهبة ما ينتهب بنابه من الأرض كالأسد ، والذئب والفهد والنمر ، وفي ذكر هذين الموضعين إشارة إلى معنى الحرمة حتى لا يسري إلى الأكل هذا الخلق الرديء ، وفي المحتمة روايتان بالفتح والكسر ، ومعنى الرواية بالفتح ما يحتم عليه الكلب فيقتله غما لا جرحا ، فذلك الصيد حرام لانعدام معنى الذكاة فيه ، ومعنى الرواية بالكسر ما يحتم على الصيود كالذئب والأسد والفهد ، فإنه غير مأكول ، ومعنى قوله { وعن كل ذي ناب من السباع } ما يقصد بنابه ، ويدفع به ، فأما أصل الناب يوجد لكل صيد ، فعرفنا أن المحرم ما بينا .

التالي السابق


الخدمات العلمية