قال : ( وإن
وهب لعبد أخيه [ ص: 59 ] هبة فله أن يرجع فيها في قول
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة ) ، وفي قول
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف nindex.php?page=showalam&ids=16908ومحمد رحمهما الله ليس له أن يرجع فيها . وجه قولهما : أن الملك بحكم الهبة وقع لذي الرحم المحرم فلا رجوع فيها كما كان وهب للمولى ; وهذا لأنه ، وإن أضاف العقد إلى العبد فالمقصود : المولى ، وهو قريبه فعرفنا أن مقصوده صلة الرحم ; ألا ترى أنه لو
أوصى لعبد وارثه ، أو لعبد قاتله كان ذلك كالوصية لمولاه حتى لا يصح ; ولأنه في الرجوع يخاصم المالك ، وهو قريب له ، وفي مخاصمته في الرجوع فيها قطيعة الرحم
nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول : الصلة ما تمت لذي الرحم المحرم عقدا ، وملكا فيكون له أن يرجع فيها كما لو كان وهب لأخيه ، وهو عبد لغيره ; وهذا لأن الرجوع باعتبار العقد والملك حتى إذا كان العقد معاوضة فليس فيه حق الرجوع ، وبعد زوال الملك لا رجوع ، والعقد هنا للعبد ; ألا ترى أن القبول والرد يعتبر منه دون المولى ، وأن المعتبر منه : دين العبد حتى إذا كان
الموهوب خمرا صحت الهبة إذا كان العبد كافرا - وإن كان مولاه مسلما - والملك بحكم الهبة يقع للعبد على أحد الطريقين ; لأن الحكم إنما يثبت لمن باشر سببه ، ولهذا يقدم فيه حاجة العبد حتى يقضي منه ديونه ثم ينتقل إلى المولى عند استغناء العبد عنه ; لأنه مالك لرقبته فيخلفه في كسبه خلافة الوارث المورث ، وعلى الطريق الآخر : الملك يقع للمولى ، ولكن بطريق الخلافة عن العبد ; لأنه ليس بأهل للملك فيخلف القاتل في ذلك مولاه ، وهو نظير الطريقين في الوكيل بالشراء ، إذا ثبت هذا فنقول : لما وقع العقد للعبد - وهو أجنبي - فلا ينفك هذا العقد عن مقصود العوض فيثبت حق الرجوع فيه إذا لم يعوض .
( فإن قيل ) : فإذا وقع الملك للعبد ثم انتقل منه إلى المولى ينبغي أن لا يثبت حق الرجوع فيه ( قلنا ) : هذا أن لو كان الثابت له ملكا مستقرا ، وهو ليس من أهل ذلك ، وعند العقد هذا الانتقال كان معلوما ، فلا يكون مانعا من الرجوع ، ( فإن قيل ) : كيف يقصد بالهبة من العبد العوض ، وهو ليس من أهل العوض ; فينبغي أن لا يثبت الرجوع في الهبة من العبد - أصلا - لعلمنا أنه لم يقصد العوض به كما لا يرجع في الهبة من الفقير ، ( قلنا ) : العبد من أهل أن يعوض بمنافعه وخدمته ، ومن أهل أن يعوض بكسبه عند إذن المولى فكان المقصود بالهبة منه : ما هو المقصود بالهبة من الحر - وهو العوض - وهذا بخلاف الوصية . فالبطلان هناك لإيثار بعض الورثة ، وذلك بالملك لا بالعقد فاعتبرنا من يقع له الملك ، وهنا الرجوع لفوات المقصود بالعقد ، فإن العوض مقصود بعقد التبرع أيضا ، فإنما ينظر إلى من وقع العقد أو الملك له فأيهما كان أجنبيا ثبت حق الرجوع له ; لأنه لم
[ ص: 60 ] ينفك عن قصد العوض ، فإن كان المولى والعبد كل واحد منهما ذا رحم محرم منه بأن كان أخوه لأبيه عبدا لأخيه لأمه فقد ذكر
الكرخي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد رحمه الله أن في قياس قول
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة رضي الله عنه أن لا يرجع فيه أيضا ; لأنه لا معتبر بقرابة العبد في المنع من الرجوع بدليل الفصل الأول فكان هذا - وما لو كان العبد أجنبيا - سواء ، وكان
أبو جعفر الهندواني رحمه الله يقول : لا يرجع هنا ، وهو الصحيح - عندنا - ; لأنا علمنا أنه لم يقصد العوض بهذا العقد ، فإن تخصيصه هذا العبد من بين عبيد مولاه دليل على أنه قصد صلة الرحم دون العوض ، وكذلك تخصيصه عند هذا المولى دليل على قصد صلة رحم مولاه ، فسواء اعتبرنا العقد أو الملك ، أو اعتبرناهما ، فالمقصود : صلة الرحم دون العوض .