ولو
وهب رجلان من واحد : يجوز مع وجود الشيوع في الواهبين ، وأنه لا شيوع في الملك المستفاد بالهبة ، وإن
وهب أحدهما نصيبه من زيد ، والآخر نصيبه من عمرو : لا يجوز لتمكن الشيوع في الملك المستفاد بالهبة فثبت أن المانع هذا ، وهو موجود في الهبة من رجلين ، والدليل على أن المعتبر جانب المتملك دون المملك حكم الشفعة ، فإن رجلين لو اشتريا دارا من واحد لم يكن للشفيع أن يأخذ نصيب أحد المشتريين بالشفعة لتفرق الملك
[ ص: 68 ] في جانب المتملك فظهر بهذا أن المعتبر جانب المتملك لا جانب المملك ، ولا اعتماد عن انتفاء ضمان المقاسمة عن الواهب ، فإن
رجلين لو وهبا من رجلين على أن يكون نصيب أحدهما لأحدهما بعينه ونصيب الآخر للآخر : لا يجوز ، وليس على الواهبين ضمان المقاسمة وليس هذا كالرهن ; لأن المانع هناك تمكن الشيوع في المحل فإن موجب الرهن الحبس ، والحبس في الجزء الشائع لا يتأتى ، وفي الرهن من رجلين لا شيوع في الحبس ; لأن الحبس ثبت لكل واحد منهما في الكل حتى لو قضى دين أحدهما لا يكون له أن يسترد شيئا من الرهن ما لم يقبض دين الآخر ; وهذا لأنه لا مضايقة في الحبس فكما لا يجوز أن يكون الشخص الواحد كله محبوسا بدين
زيد وكله محبوسا بدين
عمرو فكذلك العين الواحدة ، وهنا موجب العقد الملك ، ولا يتأتى إثباته بكماله لكل واحد منهما فعرفنا أن كل واحد منهما يتملك جزءا شائعا ، وهذا بخلاف الإجارة . فالمانع هناك تعذر استيفاء المنفعة التي تناولها العقد من الجزء الشائع ، وذلك لا يوجد في الإجارة من الرجلين ، أو المانع استحقاق عود المستأجر إلى يد المؤجر في مدة الإجارة بحكم المهايأة ، وذلك لا يوجد ، وفي الإجارة من الرجلين ، ولهذا : جازت إجارة أحد الشريكين من شريكه بخلاف الهبة ثم قال في الأصل : وكذلك في الصدقة ، وهذا يدل على أنه إذا
تصدق بما يقسم على رجلين أنه لا يجوز عند
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة رضي الله عنه كالهبة ، وفي الجامع الصغير قال لو تصدق بعشرة دراهم على فقيرين : يجوز .
قال
الحاكم رحمه الله : يحتمل أن يكون مراده من قوله : وكذلك الصدقة على الغنيين فيكون ذلك بمنزلة الهبة لأن الهبة من الفقير صدقة ، والصدقة على الغني تكون هبة ، وإلا ظهر أن في المسألة روايتين ، وجه رواية الأصل ما بينا أن تمام الصدقة بالقبض كالهبة ، وقبض كل واحد منهما يلاقي جزءا شائعا ، فلا يتم به الصدقة كما لا تتم به الهبة ، ووجه الرواية الأخرى أن المتصدق يجعل ماله لله تعالى خالصا ، ولا يملكه الفقير من جهة نفسه ، وإنما يملكه الفقير ليكون كفاية له من الله تعالى بعد ما تمت الصدقة من جهته ، وإذا تصدق على رجلين فلا شيوع في الصدقة ; لأنه جعل جميع العين لله - سبحانه وتعالى - خالصا بخلاف الهبة ; ألا ترى أن الجهالة في المصروف إليه لا تمنع صحة الصدقة حتى إذا أوصى بثلث ماله صدقة على الفقراء : يجوز ، بخلاف ما لو أوصى به لقوم يحصون من الأغنياء ، وكذلك إذا أوصى بعين للفقراء ، أو لفلان ، ونصفه لفلان ، واعتبر للفقراء سهم واحد بالاعتبار أن الصدقة لله تعالى لا للفقراء .