قال : ( ولو
وهب له ما في بطن أمته ، وسلطه على قبضه بعد الوضع فقبضه لم يجز ) ، وقد بينا الفرق بين هذا وبين هبة الدين ، والصوف على ظهر الغنم ، وفي الكتاب قال - من قبل - : أنه وهب له ما لم يكن بعد ، فإنه وهب له الولد ، وقبل الانفصال لا يكون ولدا ; ألا ترى أنه لو
وهب له دهن سمسم قبل أن يعتصر ، وسلطه على قبضه إذا عصر أو وهب الزيت في الزيتون ، والدقيق في الحنطة قبل الطحن ، والسمن في اللبن قبل أن يتمخض ، فهذا كله باطل ; لأنه هبة ،
[ ص: 73 ] وإضافة عقد التمليك إلى غير محله لغو . ( فإن قيل ) : لا ، كذلك فالوصية بما يثمر نخيله العام صحيح ( قلنا ) : الوصية ليست بعقد تمليك مال ، وإنما شرعت للخلافة عن الموصي ثم الملك من ثمراته ، ولهذا لا يتوقف ثبوت الملك فيه على القبض ، وهنا العقد عقد التمليك ; فلا بد من إضافته إلى ما هو مملوك ليعتبروا الملك لا يسبق الوجود ، وبه فارق ما سبق من الصوف واللبن ، فإنه موجود مملوك ، وإن كان متصلا بالحيوان ، فإنما يمتنع جواز بيعه لتمكن المنازعة بينهما عند التسليم ، وذلك لا يوجد في الهبة ، ثم الجزاز ، والحلب ، والقبض في اللبن في وسعه فيمكن أن يجعل فيه نائبا عن الواهب ثم قابضا لنفسه بعد ذلك فأما الإيجاب في الثمار ليس إليه .
قال : ( وكذلك لو وهب له ما في بطن جاريته - وهي حبلى - أو ما في بطن غنمه ; فهو باطل ) من أصحابنا رحمهم الله من يقول : إن أمره بقبضه بعد الولادة فقبض ينبغي أن يجوز - استحسانا - كما في الصوف واللبن . والأصح أنه : لا يجوز ; لأن ما في البطن ليس بمال أصلا ، ولا يعلم وجوده حقيقة ; ولأن إخراج الولد من البطن ليس إليه ، فلا يمكن أن يجعل في ذلك نائبا عن الواهب بخلاف الجزاز في الصوف ، والحلب في اللبن ، ومعنى هذا الفرق : أن فيما ليس في وسعه - لو جاز العقد باعتباره - كان تعليقا للهبة بالخطر وذلك غير جائز ، وما في وسعه يكون تأخيرا لملكه إلى قبضه لا تعليقا للهبة بالخطر ، وذلك جائز .