قال : ( وإذا
وهب دينا له عليه ، فقبله : لم يكن له أن يرجع فيه ) ; لأنه سقط عنه ; فإنه قابض للدين بذمته ، فيملك بالقبول ، ومن ملك دينا عليه : سقط ذلك عنه ، والساقط يكون متلاشيا ، فلا يتحقق الرجوع فيه - كما لو كان عينا فهلك عنده - قال : ( فإن قال الموهوب له مكانها : لا أقبلها ، فالدين عليه بحاله ) ، والحاصل أن
هبة الدين ممن عليه الدين لا تتم إلا بالقبول والإبراء يتم من غير قبول ، ولكن للمديون حق الرد قبل موته إن شاء الله ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=15922زفر رحمه الله أنه يسوي بينهما ، وقال : تتم الهبة والإبراء قبل القبول بناء على أصله ، أنه
[ ص: 84 ] يعتبر ما هو المقصود ، والمقصود في الوجهين : الإسقاط دون التمليك ; لأن ما في الذمة ليس بمحل للتمليك ، ولكنه مجرد مطالبة يحتمل الإسقاط ، ولكن عند
nindex.php?page=showalam&ids=15922زفر رحمه الله إن رده المديون صح رده في الوجهين جميعا ، وكان
nindex.php?page=showalam&ids=16974ابن شجاع رحمه الله يقول : لا يعمل رده ; لأن الإسقاط يتم بالمسقط ، والمسقط يكون متلاشيا فلا يتصور فيه الرد ، وقاس ذلك بالطلاق والعتاق ، والعفو عن القصاص ، ولكنا نقول : الدين مملوك للطالب في ذمة المديون فيكون قابلا للتملك بملك العين ، ويجعل ذلك في الحكم كأنه ذلك الدين - خصوصا في السلم والصرف - فإذا ثبت أنه قابل للتمليك - والهبة عقد تمليك - فإذا ذكر لفظ الهبة ، وجب اعتبار معنى التمليك فيه ، والتمليك لا يتم بالملك قبل قبول الآخر ; لأن أحدا لا يملك إدخال الشيء في ملك غيره ، قصدا من غير قبوله .
وهو محتمل للإسقاط أيضا ; لأنه في الحقيقة ليس إلا مجرد حق المطالبة ، وإبراء إسقاط ، إذا ذكر لفظ الإبراء ، وكان تصرفه إسقاطا - والإسقاط تصرف من المسقط في خالص حقه - ; فلهذا يتم بنفسه ، ولكنه يتضمن معنى التمليك من وجه ; لما بينا أن الدين مملوك في ذمته ; فإنما يسقط عنه إذا ملكه ، فلاعتبار هذا المعنى قلنا : له إن يرده بخلاف الطلاق ، والعتاق ; فإنه إسقاط محض لا يتضمن معنى التمليك ، حتى إن الإبراء لو كان إسقاطا محضا لم يرتد بالرد أيضا ، وهو إبراء الكفيل ; فإنه إسقاط محض لأن الدين يبقى على الأصل على حاله فلا يرتد برد الكفيل - والهبة من الكفيل تمليك منه - حتى يرجع على المكفول عنه ، فلا يتم إلا بقبوله . فإن كان
الموهوب له غائبا ، ولم يعلم بالهبة ، حتى مات : جازت الهبة ، وبريء مما عليه ، وهذا الاستحسان . فأما في القياس : لا يبرأ ، فأصله في الموصى له ، إذا مات بعد موت الموصي قبل قبوله ، في القياس : تبطل الوصية ; لأنه قبل القبول لم يملك وإنما يخلفه وارثه في ملكه بعد موته . وفي الاستحسان : جعل موته بمنزلة القبول ، فكذلك هنا في الاستحسان يجعل موت الموهوب له بمنزلة قبوله قال : ( وإن
وهبه له ، وهو معه قائم فسكتا حتى افترقا : جازت الهبة ) ، وهذا استحسان أيضا فإن سكوته عن الرد دليل على رضاه بالهبة منه عرفا ، ودليل الرضا كصريح الرضا ; ألا ترى أن السكوت من البكر جعل إجازة لعقد الولي - استحسانا - ، فهذا مثله . ومن مشايخنا رحمهم الله من بنى الجواب في هذا الفصل على الظاهر ، ويقول : هبة الدين ممن عليه الدين بمنزلة الإبراء يتم بنفسه من غير قبول ، وإن كان له حق الرد فيها ، فالموت قبل الرد يبطل حقه في الرد ويبقى تاما في نفسه ، وكذلك بالسكوت حتى افترقا ينعدم الرد فتبقى الهبة تامة ولكن الأول ، وهو الفرق بين الهبة والإبراء من حيث المعنى أصح ، ويتضح ذلك
[ ص: 85 ] في الفرق بين إبراء الكفيل ، وبين هبة الدين منه .