قال : ( ولا بأس بالتمر بالرطب مثلا بمثل وإن كان الرطب ينقص إذا جف ) وهذه مسائل ( أحدهما )
بيع الرطب بالرطب كيلا بكيل جائز عندنا وعند
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رضي الله عنه لا يجوز وكذلك الباقلا وعلل في كتابه فقال : لأن بين الباقلتين فضاء ومتسعا معناه أنه لا يعتدل في الدخول في الكيل حتى لا ينضم بعضه إلى بعض بل يتجافى ويتفاوت مقدار التجافي فيه فلا يكون الكيل فيه معيارا شرعيا والمخلص عن الربا يكون بالتساوي في المعيار الشرعي وقاس بيع الحنطة المقلية بغير المقلية فإن المقلية لا تعتدل في الدخول في الكيل لانتفاخ يحدث فيها بالقلي أو صخور فإنها إذا قليت رطبة انتفخت وإذا قليت يابسة ضمرت وحجتنا في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=81016التمر بالتمر كيلا بكيل } والتمر اسم للثمرة الخارجة من النخل من حين ينعقد عليها صورتها إلى أن تدرك فكان الرطب تمرا والدليل عليه قول القائل
وما العيش إلا نومة وشرق وتمر على رءوس النخيل وماء
والمراد الرطب والمعنى فيه أن الرطب أمثال متساوية بدليل ثبوت حكم الربا فيها وقد بينا أن حكم الربا لا يثبت في المال ما لم يصر أمثالا متساوية وإنما صارت أمثالا متساوية بصفة الكيل فكان الكيل فيها عيارا شرعيا والأصل أنه يراعي وجود المساواة بين المثلين على الوجه الذي صار مال الربا كما في الحنطة وغيرها وبه فارق المقلوة فإن الحنطة لا تخلق كذلك بل تكون في الأصل غير مقلوة وتصير مال الربا بتلك الصفة فتراعى تلك المماثلة وبعد القلي لا تعرف تلك المماثلة وإن تساويا في الكيل فلهذا لا يجوز بيع المقلية بغير المقلية ولا بالمقلية
فإن قيل
[ ص: 185 ] هذا فاسد فقد جوزتم بيع الحنطة الرطبة بالحنطة الرطبة كيلا بكيل والرطوبة صفة حادثة بصنع العباد كالقلي ( قلنا ) الحنطة في الأصل تخلق رطبة ويكون مال الربا على هذه الصفة فإذا بلت بالماء عادت إلى تلك الصفة فإذا وجدت المماثلة على الوجه الذي صارت مال الربا جاز العقد وهي لا تخلق في الأصل مقلوة حتى يكون هذا إعادة إلى تلك الصفة فيها فأما
بيع الرطب بالتمر كيلا بكيل يجوز في قول
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة ولا يجوز في قول
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف nindex.php?page=showalam&ids=16908ومحمد nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي رحمهما الله لحديث
nindex.php?page=showalam&ids=37سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه {
nindex.php?page=hadith&LINKID=81017أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن بيع الرطب بالتمر فقال : صلى الله عليه وسلم أينقص إذا جف قالوا نعم فقال : عليه الصلاة والسلام فلا إذا } وفي حديث
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر رضي الله عنه أن النبي عليه السلام {
nindex.php?page=hadith&LINKID=81018نهى عن بيع الرطب بالتمر كيلا وعن بيع العنب بالزبيب كيلا } ثم في قوله عليه السلام أينقص إذا جف إشارة إلى أنه يشترط لجواز العقد المماثلة في أعدل الأحوال وهو ما بعد الجفاف ولا يعرف ذلك بالمساواة في الكيل في الحال فهذا الحديث دليل
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رضي الله عنه أيضا في المسألة الأولى من هذا الوجه واعتبار المماثلة في أعدل الأحوال صحيح كما في بيع الحنطة بالدقيق فإنه لا يجوز لتفاوت بينهما بعد الطحن ولأن العقد جمع بين البدلين أحدهما على هيئة الادخار والآخر ليس على هيئة الادخار ولا يتماثلان عند التساوي في الصفة فلا يجوز بيع المقلية بغير المقلية وهذا بخلاف الجودة والرداءة فالرداءة من نوع العيب والرطوبة في الرطب ليس بعيب فإن العيب ما يخلو عنه أصل الفطرة السليمة فأما ما لا يخلو عن أصل الفطرة السليمة لا يكون عيبا كالصغير في الآدمي وانعدام العقل بسببه وهذا بخلاف الحديث مع العتق وكل واحد من البدلين هناك على هيئة الادخار ثم الحديث إذا عتق لا يظهر فيه التفاوت إلا شيء يسير لا يمكن التحرز عنه وذلك عفوا كالتراب في الحنطة
ودخل
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة بغداد فسئل عن هذه المسألة وكانوا أشد يدا عليه لمخالفته الخبر فقال : الرطب لا يخلو إما أن يكون تمرا أو ليس بتمر فإن كان تمرا جاز العقد عليه لقوله صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=81019التمر بالتمر } وإن لم يكن تمرا جاز لقوله صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=81020وإذا اختلف النوعان فبيعوا كيف شئتم } فأورد عليه حديث
nindex.php?page=showalam&ids=37سعد رضي الله تعالى عنه فقال : مدار هذا الحديث على
زيد بن أبي عياش وزيد بن أبي عياش لا يقبل حديثه واستحسن منه أهل الحديث هذا الطعن حتى قال :
nindex.php?page=showalam&ids=16418ابن المبارك كيف يقال
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة لا يعرف الحديث وهو يقول
زيد بن أبي عياش ممن لا يقبل حديثه وهذا الكلام في المناظرة يحسن لدفع شغب
[ ص: 186 ] الخصم ولكن الحجة لا تتم بهذا لجواز أن يكون هنا قسما ثالثا كما في المقلية بغير المقلية ولكن الحجة
nindex.php?page=showalam&ids=11990لأبي حنيفة الاستدلال بقوله صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=81021التمر بالتمر مثل بمثل يد بيد كيل بكيل } وقد بينا أن التمر اسم للثمرة الخارجة من النخيل حين تنعقد صورتها إلى أن تدرك وما يتردد عليها من الأوصاف باعتبار الأحوال لا يوجب تبدل اسم العين كالآدمي يكون صبيا ثم شابا ثم كهلا ثم شيخا
فإذا ثبت أن الكل تمر يراعى وجود المماثلة حالة العقد على الصفة التي دخلت في العقد لأن اعتبار المماثلة سبب المقابلة وذلك يكون عند العقد وما كان اعتبار المساواة إلا نظير الأجود فكما لا يعتبر التفاوت في ذلك فكذلك في هذا وقد تحققت المساواة بينهما في الكيل في الحال لأن الرطوبة التي في الرطب مقصودة وهي شاغلة للكيل فلا يظهر التفاوت إلا بعد ذهابها بالجفاف فلا يتبين به أن التفاوت كان موجودا وقت العقد بخلاف الحنطة بالدقيق فإن بالطحن تتفرق الأجزاء ولا يفوت جزء شاغل للكيل فتبين بالتفاوت بينهما بعد الطحن أنهما لم يكونا متساويين عند العقد وكذا المقلية بغير المقلية فإن بالقلي لا يفوت جزء شاغل للكيل إنما تنعدم اللطافة التي كانت بها الحنطة منبتة ولما ظهر التفاوت بعد القلي عرفنا أن هذا التفاوت كان موجودا عند العقد ثم صاحب الشرع أسقط اعتبار التفاوت في الجودة بقوله صلى الله عليه وسلم جيدها ورديئها سواء واعتبر التفاوت بين النقد والنسيئة حتى شرط اليد باليد ، وصفة الجودة لا تكون حادثة بصنع العباد والتقاوة بين النقد والنسيئة حادث بصنع العباد وهو اشتراط الأجل فصار هذا أصلا إن كل تفاوت ينبني على صنع العباد فذلك مفسد للعقد وفي المقلوة بغير المقلوة والحنطة بالدقيق بهذه الصفة وكل تفاوت ينبني على ما هو ثابت بأصل الخلقة من غير صنع العباد فهو ساقط الاعتبار والتفاوت بين الرطب والتمر بهذه الصفة فلا يكون معتبرا كالتفاوت بين الجيد والرديء قال : (
وبيع العنب بالزبيب كبيع الرطب بالتمر ) .