فأما
حكم العقد وهو الملك ففيه طريقان ( أحدهما ) أنه يثبت للوكيل ثم ينتقل منه إلى الموكل من ساعته كما اتفقا عليه بالتوكيل السابق ومباشرته السبب تستدعي ثبوت الحكم إلا أنه يستقر له فيثبت أولا له
[ ص: 204 ] ثم ينتقل منه إلى غيره ولهذا لو كان قريبه لا يعتق عليه ولو كانت زوجته لا يفسد النكاح لأن ذلك يستدعي ملكا مستقرا ولا يثبت ذلك للوكيل وعلى الطريق الآخر وهو الأصح لسبب ينعقد حكمه موجبا للوكيل إلا أن الموكل قام مقامه في ثبوت الملك له بالتوكيل السابق فيثبت للموكل على وجه الخلافة عن الوكيل كالعبد يقبل الهبة والصدقة ويصطاد فيقع الملك فيه لمولاه على وجه الخلافة وإذا ثبت أن الوكيل كالعاقد لنفسه كان هو المطالب بتسليم رأس المال فإذا نقده من عنده رجع بمثله على الأمر لأنه نقد مال نفسه في عقد حصل مقصود ذلك العقد للآمر فأمره إياه بالعقد يكون أمرا بأداء رأس المال من عنده على أن يرجع عليه بمثله وكذلك الوكيل هو الذي يقبض الطعام إذا حل الأجل بمنزلة العاقد لنفسه والغنم بمقابلة الغرم فإذا كان هو المطالب بتسليم رأس المال كان حق قبض الطعام إليه أيضا فإذا قبضه كان له حبسه حتى يستوفي الدراهم من الموكل عندنا خلافا
nindex.php?page=showalam&ids=15922لزفر كذلك الوكيل بالشراء إذا نقد الثمن من مال نفسه وقبض السلعة كان له أن يحبسه أما إذا هلك في يده قبل أن يحبسه فإنما يهلك من مال الموكل وللوكيل أن يرجع عليه بما أدى من الدراهم لأنه في أصل القبض عامل له حتى يتعين به ملك الموكل في السلم ويتم ملكه به في المشتري فيكون هلاكه في يد الوكيل كهلاكه في يد الموكل فإن لم يهلك وأراد الوكيل حبسه بالثمن فله ذلك عندنا وقال :
nindex.php?page=showalam&ids=15922زفر ليس له ذلك لأن الموكل صار قابضا بقبض الوكيل بدليل أن هلاكه في يد الوكيل كهلاكه في يد الموكل فكأنه قبض حقيقة ثم دفعه إلى الوكيل وهذا لمعنيين :
( أحدهما ) أن المقبوض أمانة في يد الوكيل والثمن دين له على صاحبه وليس للأمين أن يحبس الأمانة بدينه على صاحبها والثاني أن الوكيل لما قبضه مع علمه أن الموكل يصير به قابضا فقد رضي بقبض الموكل فكان بمنزلة ما لو سلمه إليه ثم أراد أن يسترده منه أو بمنزلة بائع سلم السلعة إلى المشتري ثم أراد أن يستردها للحبس بالثمن ولنا أن الموكل ملك المشتري بعقد باشره الوكيل ببدل استوجبه الوكيل عليه حالا وإلا فكان له أن يحبس العين به كالبائع مع المشتري وهذا لأن الوكيل مع الموكل بمنزلة البائع مع المشتري إما لأن الموكل يتلقى الملك فيه من الوكيل بعوض ولهذا لو
اختلف الوكيل والموكل في الثمن تحالفا ولو وجد به الموكل عيبا رده على الوكيل قوله بأن الموكل صار قابضا بقبض الوكيل ففيه طريقتان ( أحدهما ) أن قبض الوكيل متردد لجواز أن يكون لضم مقصود الوكيل ويجوز أن يكون لأحياء
[ ص: 205 ] حق نفسه وإنما يتبين أحدهما عن الآخر بحبسه فكان الأمر فيه موهوما في الابتداء إن لم يحبسه عنه عرفنا أنه كان عاملا للموكل وإن حبسه عنه عرفنا أنه كان عاملا لنفسه وإن الموكل لم يصر قابضا بقبضه
( والثاني ) إن هذا قبض لا يمكن التحرز عنه لأن الوكيل لا يتوصل إلى الحبس ما لم يقبض ولا يمكنه أن يقبض على وجه لا يصير الموكل به قابضا وما لا يمكن التحرز عنه فهو عفو فلا يسقط به حقه في الحبس لأن سقوط حقه باعتبار رضاه بتسليمه ولا يتحقق منه الرضا فيما لا طريق له إلا التحرز عنه فإذا حبسه الوكيل وهلك في يده فعلى قول
nindex.php?page=showalam&ids=15922زفر هو غاصب فعليه ضمان مثله وفي قول
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف يهلك في يده هلاك الرهن مضمونا بالأقل من قيمته ومن الثمن وعند
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=16908ومحمد رحمهما الله تعالى يهلك هلاك المبيع مضمونا بالثمن قل أو كثر وهذا الخلاف ذكره في كتاب الوكالة
nindex.php?page=showalam&ids=14954فأبو يوسف يقول إنما كان مضمونا عليه بالحبس بحقه بعد أن لا يكون مضمونا فيكون في معنى المرهون بخلاف المبيع فإنه مضمون بنفس العقد حبسه أو لم يحبسه يوضحه أنه يحبسه ليستوفي ما أدى عنه من الدين والحبس للاستيفاء حكم الرهن ولأن بهلاكه لا ينفسخ أصل البيع بخلاف المبيع إذا هلك في يد البائع وسقوط الثمن هناك لانفساخ البيع وهما يقولان الوكيل مع الموكل كالبائع مع المشتري بدليل ما بينا فكما أن المبيع إذا هلك في يد البائع سقط الثمن قل أو كثر فكذلك هنا ولا نقول العقد لا ينفسخ هنا بل انفسخ فيما بين الموكل والوكيل وإن لم ينفسخ في حق البائع وهو كما لو وجد الموكل بالمشتري عيبا فرده ورضي به الوكيل فإنه يلزم الوكيل وينفسخ العقد فيما بينه وبين الموكل والدليل على أن هذا ليس نظير الرهن أن هذا الحبس ثبت في النصف الشائع فيما يحتمل القسمة والحبس بحكم الرهن لا يثبت في الجزء الشائع فيما يحتمل القسمة وإنما يثبت ذلك بحكم البيع فعرفنا أنه كالمبيع