قال
والبيع الفاسد ينعقد موجبا للملك إذا [ ص: 23 ] اتصل به القبض عندنا ، وعند
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي لا ينعقد للملك ، وفي الحقيقة هذه المسألة تنبني على مسألة من أصول الفقه وهو أن النهي عن العقود الشرعية لا يخرجها من أن تكون مشروعة عندنا فإن ذلك موجب النسخ والنهي عن النسخ وعندنا يخرجها من أن تكون مشروعة بمقتضى النهي فإن صفة القبح من ضرورة النهي كما أن صفة الجنس من ضرورة الأمر ، والمشروع ما يكون مرضيا والقبيح ما لا يكون مرضيا فينعدم أصل العقد لضرورة النهي ومقتضاه ولكنا نقول موجب النهي الانتهاء على وجه يكون المنتهى مختارا فيه كما أن موجب الأمر الائتمار على وجه يكون المؤتمر مختارا فيه ، فإن استحقاق الثواب والعقاب ينبني على ذلك لا يكون إلا بعد تقرر المشروع مشروعا باعتبار هذا الأصل ثم يخرج المقتضى عليه بحسب الإمكان أولى من إعلام المقضي بالمقتضى وهذه في أصول الفقه فأما التخريج هنا على الأصل المتفق عليه وهو أن النهي متى كان لمعنى في غير المنهى عنه فإنه لا يعدم المشروع كالنهي عن البيع وقت النداء وإن كان المنهي عنه بعدمه كالنهي عن بيع المضامين والملاقيح .
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي يقول : في البيوع الفاسدة النهي لمعنى في غير المنهي عنه ولهذا أفسد البيع ، ويتضح هذا في البيع بالخمر ، فالبيع مبادلة مال متقوم بمال متقوم ، والخمر ليس بمال متقوم حتى لا يملك بالعقد ، وإن قبض فلا ينعقد موجبا حكمه فعرفنا أنه غير منعقد في حق حكمه ، وهو الملك ، والدليل عليه أن البيع موجب للملك بنفسه ثم الفاسد منه لا يكون موجبا الملك بنفسه فعرفنا أنه ليس ينعقد في حكم الملك وثبوت الضمان بالقبض ليس من حكم انعقاد العقد بالمقبوض على سوم الشراء مضمون بالقيمة ولا عقد ، وإن كان منعقدا بصفة الفساد لما منعت ثبوت الملك بالبيع قبل القبض فكذلك بعده ; لأن الفساد قائم بعده ; ولأن بالقبض يزداد الفساد والحرمة ، وكل ما يمنع ثبوت الملك بالبيع قبل القبض يمنع بعد القبض كخيار الشرط وهذا في معناه ; لأن مع خيار الشرط لا يتم الرضا من البائع ومع الفساد كذلك فإنه لو صار مملوكا إنما يصير مملوكا بالقيمة ، والبائع لم يرض بهذا ولهذا ثبت خيار الفسخ لكل واحد منهما ; ولأن هذا عقد معاوضة فالفاسد منه لا ينعقد موجبا للملك كالنكاح وهذا ; لأن الملك مشروع محبوب فيستدعي سببا مرضيا شرعيا بخلاف الكتابة الفاسدة حيث انعقد العقد مع صفة الفساد ففيها معنى المعارضة واليمين ; لأنه تعليق العتق بشرط الأداء ، والحرمة لا تمنع صحة التعليق كما لو قال : إن زنيت فأنت حرة فإنما ينزل العتق هناك لمعنى التعليق دون المعاوضة
[ ص: 24 ] وحجتنا في ذلك من حيث التخريج على الأصل المجمع عليه أن يقول هذا النهي لمعنى في غير المنهي عنه ; لأن البيع ينعقد بالإيجاب والقبول في محل قابل له ولا يختل شيء من ذلك بالشرط الفاسد ، وانعقاد العقد يوجب ركنه من أهله ، والنهي كان للشرط وهو وراء ما يتم العقد به .
وكذلك النهي عن الربا للفضل الخالي عن المقابلة وهو وراء ما يتم به العقد فلا ينعقد فيه أصل العقد والعقد لا ينعقد شرعا إلا موجبا حكمه ; لأن الأسباب الشرعية تطلب لأحكامها فإذا كانت خالية عن الحكم تكون لغوا ولكن الحكم متصل بها تارة ويتأخر أخرى كالهبة فإنها عقد تمليك ، ثم الملك بها يتأخر إلى القبض . قوله بأن البيع يفسد به قلنا ; لأن النهي اتصل بوصفه ; لأن الخيار والأجل لو كان جائزا كان عمله في تغيير وصف العقد لا في تغيير أصله فكذلك إذا كان فاسدا يكون عمله في تغيير وصف العقد حتى يصير العقد فاسدا ، وليس من ضرورة انعدام الأصل بل من ضرورته انعقاد الأصل ، فالصفة لا تكون بدون الموصوف ، وهكذا نقول في النكاح فإنه ينعقد مع الفساد ولهذا يتعلق به وجوب المهر والعدة والنسب عند الدخول إلا أنه يثبت الملك به ; لأن الحكم يثبت بحسب النسب فالعقد الفاسد إنما يثبت ملكا حراما وليس في النكاح إلا ملك الحل وبين الحل والحرمة منافاة فكان من ضرورة الفساد هناك انتفاء الملك .
وهنا بالبيع الفاسد إنما يثبت ملك حرام ولهذا لو كانت جارية لا يحل له وطؤها ، وليس من ضرورة ثبوت الحرمة انتفاء ملك اليمين كالعصير يتخمر يبقى مملوكا وإن كان حراما ، وكشراء الرجل أخته من الرضاع فيملكها وإن كانت حراما عليه فأثبتنا الملك لهذا ولكن العقد بصفة الفساد يضعف فيتأخر الحكم إلى انضمام ما يقوم إليه وهو القبض كعقد التبرع ; ولأنه لو ثبت الملك قبل القبض يثبت بغير عوض فإن المسمى لا يجب للفساد ، والضمان لا يجب إلا بالقبض فلهذا تأخر الملك إلى ما بعد القبض ، وهكذا نقول في
البيع بشرط الخيار فإنه انعقد مفيدا لحكمه ولكنه أخر ثبوت الحكم إلى سقوط الخيار على أن ذلك في معنى المعلق بالشرط ; لأنه يقول على أني بالخيار والمتعلق بالشرط مقدم قبل الشرط ألا ترى أنه تعذر إعمال التعليق في أصل السبب فيجعل عاملا في الحكم وليس من ضرورة الفساد انعدام العقد شرعا كالإحرام يفسد بالجماع ويبقى أصله ، والطلاق في حالة الحيض حرام شرعا ، ويكون مفيدا بحكمه والظهار حرام شرعا ثم ينعقد موجبا حكمه ، والدليل عليه أن المقبوض يصير مضمونا والضمان إنما يجب بطريق الجبران أو بالعقد ، وهنا وجوب الضمان ليس بطريق
[ ص: 25 ] الجبر ; لأنه يقبضه بإذن المالك فعرفنا أن وجوب الضمان بالعقد ، وهكذا نقول في
المقبوض على سوم البيع أنه مضمون بالعقد ولكن على وجه وهو أن يجعل الموعود من العقد كالمتحقق وليس بينهما عقد موجود هنا فعرفنا أن الضمان باعتبار العقد المتحقق ، وإذا ثبت هذا في البيع مع الشرط الفاسد فكذلك في الربا ; لأن الفساد يكون لمعنى في وصف العقد ، فإن بالفضل يصير البيع رابحا ، وكذلك في
البيع بالخمر فإن ركن العقد المالية في البدلين وبتخمر العصير لا تنعدم المالية وإنما ينعدم التقوم شرعا فإن المالية تكون بكون العين منتفعا بها وقد أثبت الله - تعالى - ذلك في الخمر بقوله تعالى {
ومنافع للناس } ولأنه كان مالا متقوما قبل التحريم .
وإنما ثبت بالنص حرمة التناول ونجاسة العين ، وليس من ضرورته انعدام المالية كالسرقين إلا أنه فسد تقومه شرعا لضرورة وجوب الاجتناب عنه بالنص ، ولهذا يكون مالا في حق
أهل الذمة فانعقد العقد بوجود ركنه في محله بصفة الفساد ولكن الخمر لا يملك بالقبض ; لأنه غير متقوم شرعا فيملك بأدائه لانعقاد العقد موجبا الملك فيه بخلاف
البيع بالميتة والدم فذلك ليس بمال في حق أحد فلانعدام ركن العقد في محله لا ينعقد العقد .