صفحة جزء
[ ص: 154 ] باب تسليم الشفعة

( قال : رحمه الله وإذا سلم الشفيع الشفعة بعد وقوع البيع ، والمشتري حاضر ، أو غائب فتسليمه جائز ) ; لأنه أسقط الحق الواجب له ، والإسقاط يتم بالمسقط ، وأنه تصرف منه على نفسه ، ولا يتعدى تصرفه إلى محل هو حق غيره ; ولهذا لا يشترط القبول فيه من غيره ، وكذلك إن ساوم الشفيع المشتري بالدار ; لأنه ساومه بها ; ليشتريها منه ابتداء ، وذلك الرضا بتقرر ملكه فيها ، وكذلك لو سأله أن يوليها إياه ; لأن حاجته إلى ذلك بعد سقوط حقه في الأخذ بالشفعة ، فالتماسه دليل إسقاط شفعته ودليل الإسقاط كصريحه ، وكذلك إن قال المشتري للشفيع أنفقت عليها كذا في بنائها وإني أوليكها بذلك وبالثمن ، فقال : نعم ، فهو تسليم منه ; لأن قوله نعم في موضع الجواب فيصير ما تقدم من الخطاب كالمعاد فيه ومعناه ولني بذلك وإذا وكل وكيلا بطلب الشفعة فسلم الوكيل الشفعة ، أو أقر بأن موكله قد سلم الشفعة ، فنقول : أما عند أبي حنيفة يصح ذلك منه في مجلس القضاء ، ولا يصح في غير مجلس القضاء وكان أبو يوسف يقول : أولا لا يصح ذلك منه في مجلس القضاء وفي غير مجلس القضاء ، وهو قول زفر ، ثم رجع ، فقال : إقراره على الموكل بالتسليم صحيح في مجلس القضاء ومحمد يقول في إقراره على الموكل بالتسليم بقول أبي حنيفة وقال يجوز تسليم الشفعة في مجلس القضاء ، ولا يجوز في غير مجلس القضاء ذكر قوله هذا في كتاب الوكالة ، ولا يحفظ جواب أبي يوسف الآخر فيما إذا أسلم الوكيل الشفعة وقيل ذلك صحيح منه كما يصح إقراره على الموكل بالتسليم

وأصل المسألة في كتاب الوكالة ، فإن الوكيل بالخصومة إذا أقر على موكله في القياس لا يجوز إقراره ، وهو قول زفر وأبي يوسف وفي الاستحسان يجوز إقراره في مجلس القاضي وهو قول أبي حنيفة ومحمد وفي قول أبي يوسف الآخر إقراره صحيح في غير مجلس القاضي وفي مجلس القاضي كإقرار الموكل ، فالوكيل بطلب الشفعة وكيل الخصومة ، فإذا أقر على موكله بالتسليم كان على هذا الخلاف ، فأما إذا سلم بنفسه ، فمن أصل أبي حنيفة وأبي يوسف أن من ملك طلب الشفعة والخصومة فيها يصح تسليمه ، إلا أن الوكيل قائم مقام الموكل في الخصومة ومجلس الخصومة مجلس القاضي فيصح تسليمه في مجلس القاضي عند أبي حنيفة وفي قول أبي يوسف الوكيل قائم مقام الموكل فيصح منه التسليم في مجلس القاضي وغير مجلس القاضي

وعند محمد وزفر لا يصح منه التسليم أصلا ; لأن ذلك ضد ما فوض إليه ، فإنه أمر باستيفاء الحق لا بإسقاطه الحق [ ص: 155 ] وأصل هذه المسألة في الأب والوصي إذا سلما شفعة الصبي جاز ذلك عند أبي حنيفة وأبي يوسف ، وليس للصبي أن يطالب بحقه بعد البلوغ ; لأنهما قاما مقامه في استيفاء حقه ، والإسقاط ضد الاستيفاء ، فلا يثبت لهما الولاية في الإسقاط ، كالإبراء عن الدين ، والعفو عن القصاص الواجب له ، وهذا ; لأن تصرفهما مقيد بالنظر ، وليس في إسقاط حق الصبي معنى النظر له ; ولأن حق الأخذ بالشفعة يثبت شرعا لدفع الضر فيها بالإسقاط كأنهما يلزمانه الضرر وأبو حنيفة وأبو يوسف قالا : تسليم الشفعة ترك الشراء . والأب ، والوصي كما يجوز منهما الشراء على الصبي يجوز ترك الشراء ، ألا ترى أنه لو أوجب صاحب الدار البيع فيها من الصغير فرده الأب ، والوصي صح ذلك منهما . وبيان الوصف : أن الشفيع بالأخذ يتملك العين بالثمن ، وهذا هو الشراء . وتأثيره أن في تسليم الشفعة يبقى أحد العوضين على ملك الصبي ، وهو الثمن ، فإن كان فيه إسقاط حقه ، فهو إسقاط بعوض يعد له ، فلا يعد ذلك ضررا كبيع ماله بخلاف الإبراء عن الدين وإسقاط القود يوضحه أنه لو أخذها بالشفعة ، ثم باعها من هذا الرجل بعينه جاز ذلك فكذلك إذا سلمها إليه ، بل أولى ; لأنه إذا أخذها ، ثم باعها منه تتوجه العهدة فيها على الصغير وفي التسليم لا تتوجه عليه العهدة وإذا ثبت هذا قلنا سكوت من يملك التسليم عن الطلب بمنزلة التسليم ، فإذا سكت الأب ، والوصي عن طلب الشفعة من الأجنبي ، فذلك مبطل لحق الصبي في قول أبي حنيفة وأبي يوسف بمنزلة تسليمها وفي قول محمد وزفر لا يبطل حق الصبي .

التالي السابق


الخدمات العلمية