وبهذا الحديث قلنا : إذا
تزوج أربع نسوة فله أن يقرع بينهن لإبدائه بالقسم ; لأن له أن يبدأ بمن شاء منهن فيقرع بينهن تطييبا لقلوبهن ونفيا لتهمة الميل عن نفسه وإنما أورد الحديث للحكم المذكور بعده أنه لا بأس للقسام أن يستعجل القرعة في القسمة بين الشركاء قاسم القاضي وغيره في ذلك سواء وهو استحسان وفي القياس هذا لا يستقيم ; لأنه في معنى القمار ; فإنه تعليق الاستحقاق بخروج القرعة والقمار حرام ; ولهذا لم يجوز علماؤنا
استعمال القرعة في دعوى النسب ودعوى الملك وتعيين العتق ، ثم هذا في معنى الاستقسام بالأزلام الذي كان بعبادة أهل الجاهلية وقد حرم الله تعالى ذلك ونص على ذلك أنه رجس وفسق ولكنا تركنا بالسنة والتعامل الظاهر فيه من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا من غير نكير منكر ، ثم هذا ليس في معنى القمار ففي القمار أصل الاستحقاق يتعلق بما يستعمل فيه وفي هذا
[ ص: 8 ] الموضع أصل الاستحقاق بكل واحد منهم لا يتعلق بخروج القرعة ، ثم القاسم لو قال : عدلت أنا في القسمة فخذ أنت هذا الجانب وأنت هذا الجانب كان مستقيما إلا أنه ربما يتهم في ذلك فيستعمل القرعة لتطبيب قلوب الشركاء ونفي تهمة الميل عن نفسه ، وذلك جائز ، ألا ترى أن
يونس عليه السلام في مثل هذا استعمل هذه القرعة مع أصحاب السفينة كما قال الله تعالى {
: فساهم فكان من المدحضين } . وهذا ; لأنه علم أنه هو المقصود ولكن لو ألقى نفسه في الماء ربما ينسب إلى ما لا يليق بالأنبياء عليهم السلام فاستعمل القرعة لذلك وكذلك
زكريا عليه السلام استعمل القرعة مع الأحبار في ضم
مريم عليها السلام إلى نفسه وقد كان علم أنه أحق بها منهم ; لأن خالتها كانت تحته ولكن استعمل القرعة تطبيبا لقلوبهم قال الله تعالى {
إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم } .