صفحة جزء
وذكر هشام عن محمد رحمهما الله قال ابتلينا بمسألة وهو أن مسلما استؤجر على أن ينقل جيفة ميتة [ ص: 39 ] من المشركين من بلد إلى بلد . فكذلك قال أبو يوسف رحمه الله لا أجر له ; لأنه إنما يحمل حمل الجيفة إلى المقبرة لإماطة الأذى . فأما حملهما من بلد إلى بلد فهو معصية لا يجوز الاستئجار عليه ( وقلت ) أنا إن كان الأجير عالما بما أمر بحمله فلا أجر له أيضا ، وإن لم يعلم بذلك فله الأجر لمعنى الغرور واستئجار الذمي الدابة من المسلم ، أو السفينة لينقل عليها خمرا على الخلاف الذي بينا ، وإن استأجر ذمي ذميا لشيء من ذلك فهو جائز ، وكذلك لو استأجره يرعى له خنازير ; لأن الخمر والخنزير مال متقوم في حقهم بمنزلة الشاة والبعير في حقنا ، وإن استأجره ليبيع له ميتة ، أو دما لم يجز ; لأن هذا ليس بمال في حق أحد فحكمهم فيها كحكم المسلمين ولا بأس بأن يؤاجر المسلم دارا من الذمي ليسكنها فإن شرب فيها الخمر ، أو عبد فيها الصليب ، أو أدخل فيها الخنازير لم يلحق المسلم إثم في شيء من ذلك ; لأنه لم يؤاجرها لذلك والمعصية في فعل المستأجر وفعله دون قصد رب الدار فلا إثم على رب الدار في ذلك كمن باع غلاما ممن يقصد الفاحشة به ، أو باع جارية ممن لا يشتريها ، أو يأتيها في غير المأتى لم يلحق البائع إثم في شيء من هذه الأفعال التي يأتي بها المشتري ، وكذلك لو اتخذ فيها بيعة ، أو كنيسة أو باع فيها الخمر بعد أن يكون ذلك في السواد ويمنعون من إحداث ذلك في الأمصار ، وقد بينا ذلك الكلام في هذا الفصل فيما سبق واستدل بحديث ثوبة بن نمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { لا إخصاء ولا كنيسة في الإسلام } ولحديث مكحول أن أبا عبيدة بن الجراح رضي الله عنه صالحهم بالشام على أن يحصل عن كنائسهم القديمة وعلى أن لا يحدثوا كنيسة في مصر من أمصار المسلمين .

التالي السابق


الخدمات العلمية