قال ومشاورة أولي الرأي ، وفيه دليل على أن
القاضي ، وإن كان عالما فينبغي له أن لا يدع مشاورة العلماء ، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر الناس مشاورة لأصحابه رضي الله عنهم يستشيرهم حتى في قوت أهله وإدامهم {
قال المشورة تلقح العقول } . وقال {
صلى الله عليه وسلم ما هلك قوم عن مشورة قط } وكان
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه يستشير الصحابة رضوان الله عليهم مع فقهه حتى كان إذا رفعت إليه حادثة قال ادعوا إلي
nindex.php?page=showalam&ids=8عليا وادعوا إلي
زيد بن أبي كعب رضي الله عنهم فكان يستشيرهم ، ثم يفصل بما اتفقوا عليه فعرفنا أنه لا ينبغي للقاضي أن لا يدع المشاورة ، وإن كان فقيها ، ولكن في غير مجلس القضاء على ما بينا أن الاشتغال بالمشورة في مجلس القضاء ربما يحول بينه وبين
[ ص: 72 ] فصل القضاء ، ويكون سببا لازدراء بعض الجهال به وعن
nindex.php?page=showalam&ids=17073مسروق قال لأن أقضي يوما بالحق أحب إلي من أن أرابط سنة فإن
nindex.php?page=showalam&ids=17073مسروقا ممن يقدم تقلد القضاء على الامتناع عنه ، وقد كان السلف رحمهم الله في ذلك مختلفين وابتلي
nindex.php?page=showalam&ids=17073مسروق بالقضاء ومن دخل في شيء فإنما يروي محاسن ذلك الشيء ، وقد بينا طريق
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة رحمه الله في إيثار التحرز عن تقلد القضاء ، وإنما قال
nindex.php?page=showalam&ids=17073مسروق إن القضاء يوما بالحق أحب إلي من أن أرابط سنة لما في إظهار الحق من المنفعة للناس ودفع الظلم عن المظلوم واتصال الحق إلى المستحق ومنع الظالم عن الظلم وإليه أشار النبي صلى الله عليه وسلم في قوله {
عدل ساعة خير من عبادة سنة } .
وقال صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=81199لأن يقام حد في أرض خير من أن تمطر السماء فيها أربعين صباحا } وعن
nindex.php?page=showalam&ids=8علي رضي الله عنه عنه قال القضاة ثلاثة فاثنان في النار وواحد في الجنة . فأما اللذان في النار فرجل علم علما فقضى بخلافه ورجل جاهل يقضي بغير علم وأما الآخر آتاه الله علما فقضى به فذلك في الجنة ولا شبهة في حق من قضى بخلاف ما علم فإنه أقدم على النار عن بصيرة وكتم ما علم من الحق فكان فعله كفعل رؤساء
اليهود ، وفيه نزل قوله تعالى عز وجل {
إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات } .
وقال الله تعالى {
وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون } وأما الجاهل فما كان ينبغي له أن يتقلد القضاء ويلتزم أداء هذه الأمانة ; لأنه لا يقدر على أدائها إلا بالعلم ففي التزام ما لا يقدر على القيام به ظلم نفسه ، وبعد التقلد لا ضرورة له إلى
القضاء بغير علم لتمكنه من أن يتعلم ، أو يسأل العلماء ويقضي بفتواتهم ; فلهذا جعله في النار حين قضى بغير علم والذي قضى بعلمه أظهر الحق بحكمه ، وأنصف المظلوم من خصمه فهو في الجنة ومثل هذا لا يعرف إلا بالرأي فإنما يحمل على أن
nindex.php?page=showalam&ids=8عليا رضي الله عنه كان سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكنهم فيما يسمعون ربما يرفعون وربما يرسلون وعن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود رضي الله عنه قال يجاء بالقاضي يوم القيامة وملك آخذ بقفاه ، ثم يلتفت . فإذا أقبل دفعه دفعة في مهواة أربعين خريفا
وأهل الحديث يروون هذا الحديث ( يجاء بالقاضي العدل يوم القيامة ) ليعلم أن حال من يعدل إذا كان بهذه الصفة فما ظنك في حال من يجور في قوله وملك آخذ بقفاه إشارة إلى ما يلقى من الذل يوم القيامة ، وإن كان عادلا في قضائه في الدنيا فإنما يفهم من الأخذ بالقفاء في عرف الناس الاستخفاف والذل وقيل في تأويله أنه ، وإن كان عادلا فقد نال بعض الوجاهة في الدنيا بسبب تقلد القضاء فهذا له في الآخرة لما نال من الجاه في الدنيا بطريق هو طريق العمل للآخرة ومعنى قوله دفعه في مهواة أربعين خريفا أي
[ ص: 73 ] دفعه على وجهه في النار كما قال الله تعالى {
يوم يسحبون في النار على وجوههم } وكأن المراد من هذا أن من نافق وأظهر ما يعلم الله منه خلافه فقد كان قصده من ذلك حفظ ماء وجهه يلقى في النار على وجهه ولا يستقر إلا في قعر جهنم هو المراد من قوله في مهواة أربعين خريفا ، وهذا بيان في قوله تعالى {
إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار } قال وبلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال {
nindex.php?page=hadith&LINKID=81200من ابتلي أن يقضي بين اثنين فكأنما يذبح نفسه بغير سكين }
والحصاف يروي هذا {
nindex.php?page=hadith&LINKID=47130من ابتلي بالقضاء فكأنما ذبح بغير سكين } ، وفيه بيان التحريز عن طلب القضاء والتحرز عن التقلد فكل عاقل ممتنع من أن يذبح نفسه بغير سكين فينبغي أن يكون تحرزه عن طلب القضاء بتلك الصفة فذكر المثل من النبي صلى الله عليه وسلم كان للتقريب من الفهم .
( قال ) رحمه الله وكان شيخنا الإمام رحمه الله يقول لا ينبغي لأحد أن يزدري بهذا اللفظ كي لا يصيبه ما أصاب ذلك القاضي فقد حكي أن قاضيا روي له هذا الحديث فازدرى به . وقال كيف يكون هذا ، ثم دعا في مجلسه بمن يسوي شعره فجعل الحلاق بعض الشعر من تحت ذقنه إذ عطس فأصابه الموسى فألقى رأسه بين يديه