باب من لا تجوز شهادته قال الشيخ الإمام رحمه الله الأصل أن
الشهادة ترد بالتهمة لقوله صلى الله عليه وسلم {
[ ص: 121 ] لا شهادة لمتهم } ، ولأنه خبر محتمل للصدق والكذب فإنما يكون حجة إذا ترجح جانب الصدق فيه ، وعند ظهور سبب التهمة لا يترجح جانب الصدق ، ثم التهمة تارة تكون لمعنى في الشاهد وهو الفسق ; لأنه لما لم ينزجر عن ارتكاب محظور دينه مع اعتقاده حرمته متهم بأنه لا ينزجر عن شهادة الزور ، وقد بينا أن العدالة شرط للعمل بالشهادة والعدالة هي الاستقامة ، وذلك بالإسلام واعتدال العقل ، ولكن يعارضهما هوى يضله ، أو يصده ، وليس لهذه الاستقامة حد يوقف على معرفته ; لأنه بمشيئة الله تعالى تتفاوت أحوال الناس فيها فجعل الحد في ذلك ما لا يلحق الحرج في الوقوف عليه وقيل كل من ارتكب كبيرة يستوجب بها عقوبة مقدرة فهو لا يكون عدلا في شهادته ففي غير الكبائر إذا أصر على ارتكاب شيء مما هو حرام في دينه يخرج من أن يكون عدلا ، وإن ابتلى بشيء من غير الكبائر ولم يظهر منه الإصرار على ذلك فهو عدل في الشهادة ; لأنه إذا أصر على ذلك فقد أظهر رجحان الهوى والشهوة على ما هو المانع وهو عقله ودينه . وإذا ابتلى بذلك من غير إصرار عليه فإنما ظهر رجحان دينه وعقله على الهوى والشهوة ، وقد تكون التهمة لمعنى في المشهود له وهو وصله خاصة بينه وبين الشاهد يدل على إيثاره على المشهود عليه ، وذلك شيء يعرف بالعادة فقد ظهر من عادة الناس العدول منهم وغير العدول الميل إلى الأقارب وأبنائهم على الأجانب فتتمكن تهمة الكذب بهذا الطريق في الشهادة ، وقد يكون ذلك في الشاهد لا يقدح في عدالته وولايته وهو العمى فليس للأعمى آلة التمييز بين الناس حقيقة ، وذلك تمكن تهمة الغلط في الشهادة وتهمة الغلط وتهمة الكذب سواء ، وقد تكون تهمة الكذب مع قيام العدالة بدليل شرعي وهو في حق المحدود في القذف بعد التوبة فقد جعل الله تعالى عجزه عن الإتيان بأربعة من الشهداء دليل كذبه بقوله عز وجل {
فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون . }