وعن
nindex.php?page=showalam&ids=12354إبراهيم رحمه الله قال لا تجوز
شهادة المحدود في القذف ، وإن تاب إنما توبته فيما بينه وبين الله تعالى وعن
nindex.php?page=showalam&ids=16097شريح رحمه الله مثله وبذلك يأخذ علماؤنا رحمهم الله وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما فإنه كان يقول إنما يؤتيه فيما بينه وبين الله تعالى . فأما نحن فلا نقبل شهادته . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله تقبل شهادته بعد التوبة وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه ، وقد كان يقول
لأبي بكرة تب تقبل شهادتك واستدل
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله بظاهر الآية فإن الله تعالى قال {
إلا الذين تابوا } والاستثناء متى يعقب كلمات منسوقة بعضها على البعض ينصرف إلى جميع ما تقدم إلا ما قام الدليل عليه كقول القائل امرأته طالق وعبده حر وعليه حجة إلا أن يدخل الدار ، ثم قام الدليل من حيث الإجماع على أن الاستثناء لا ينصرف إلى الجلد فيبقى ما سواه على هذا الظاهر مع أن عندنا الاستثناء ينصرف إلى الجلد أيضا إلا أن الجلد حق المقذوف فتوبته في ذلك أن يستعفيه فلا جرم إذا استعفاه فعفي عنه سقط الجلد والمعنى فيه أن الموجب لرد الشهادة فسقه ، وقد ارتفع بالتوبة ، وإنما قلنا ذلك ; لأن الموجب لرد شهادته إما أن يكون نفس القذف ، أو إقامة الحد عليه ، أو سمة الفسق لا جائز أن يكون الموجب لرد شهادته نفس القذف ; لأنه خبر متمثل بين الصدق والكذب فباعتبار الصدق لا يكون موجبا رد الشهادة ولا ترد
[ ص: 126 ] الشهادة على التأبيد
وكذلك باعتبار الكذب فلا تأثير للكذب في رد الشهادة على التأبيد ، ولأن هذا افتراء منه على عبد من عباد الله فلا يكون أعظم من افترائه على الله تعالى وهو الكفر ، وذلك لا يوجب رد الشهادة على التأبيد ، ولأنه نسبة الغير إلى الزنا فلا يكون أقوى من مباشرة فعل الزنا ، وذلك لا يوجب رد الشهادة على التأبيد ، وهذا على أصلكم أظهر فإنكم تقولون قبل إقامة الحد عليه تقبل شهادته ، وإن لم يتب وبالاتفاق إذا تاب قبل إقامة الحد عليه تقبل شهادته ولا جائزة أن يكون الموجب لرد الشهادة إقامة الحد عليه فإن ذلك فعل الغير به وتعتبر إقامة هذا الحد بإقامة سائر الحدود ، وهذا ; لأن الحد من وجه يقام تطهيرا قال صلى الله عليه وسلم الحدود كفارات لأهلها فلا يصلح أن تكون سببا لرد شهادته على التأبيد وحاله إذا تاب بعد إقامة الحد عليه أحسن من حاله قبل إقامة الحد عليه . فإذا بطل الوجهان صح أن الموجب لرد شهادته سمة الفسق ، وقد ارتفع ذلك بالتوبة بدليل قبول خبره في الديانات ; ولهذا قلت قبل إقامة الحد عليه لا تقبل شهادته عليه إذا لم يتب ; لأن الفسق ثبت بنفس القذف لما فيه من هتك ستر العفة على المسلم ; ولهذا لزمه الحد به والحد لا يجب إلا بارتكاب جريمة موجبة للفسق ، ولأن هذا محدود في قذف حسنت توبته فتقبل شهادته كالذمي إذا أسلم بعد إقامة الحد عليه
وحجتنا في ذلك من حيث الظاهر قوله تعالى {
ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا } والأبد ما لا نهاية له فالتنصيص عليه في بيان رد شهادته دليل على أنه يتناول الشهادة على التأبيد ومعنى قوله لهم أي للمحدود في القذف وبالتوبة لا يخرج من أن يكون محدودا في قذف بخلاف قوله تعالى {
ولا تصل على أحد منهم مات أبدا } ومعناه من المنافقين وبالتوبة يخرج من أن يكون منافقا والمراد بالآية شهادته في الحوادث لا ما يأتي به من الشهود على صدق مقالته فالصحيح من المذهب عندنا أنه إذا أقام المحدود أربعة من الشهداء على صدق مقالته بعد إقامة الحد عليه تقبل ويصير هو مقبول الشهادة وقوله تعالى لهم شهادة بمنزلة قوله شهادتهم كما يقال هذه دارك وهذه دار لك ، وفي التنكير ما يدل على أن المراد ما قلنا دون أربعة يشهدون له فإنه لو كان المراد ذاك لقال ولا تقبلوا لهم الشهادة فإن المنكر إذا أعيد يعاد معرفا قال الله تعالى {
كما أرسلنا إلى فرعون رسولا فعصى فرعون الرسول }
ولا كلام في المسألة من طريق القياس فإن مقادير الحدود لا تعرف بالقياس ، ولكن الكلام على طريق الاستدلال بالمنصوص فنقول إن رد الشهادة من تمام حده وأصل الحد لا يسقط بالتوبة فما هو متمم له لا يسقط
[ ص: 127 ] أيضا وبيان هذا أن نفس القذف لا يكون موجبا للحد كما قاله الخصم ، ولأن القذف متمثل بين الصدق والكذب وربما يكون حسبه من القاذف إذا علم إضراره ووجد أربعة من الشهداء ليقيم عليه الحد ; ولهذا يتمكن من إثباته بالبينة ، ولكن وجوب الحد عليه بالقذف مع عجزه عن الإتيان بأربعة من الشهداء وإليه أشار الله تعالى في قوله عز وجل {
، ثم لم يأتوا بأربعة شهداء } فالمعطوف على الشرط شرط ، ثم العجز عن ذلك يظهر بما يظهر به العجز عن الدفع في سائر الحوادث فعند ذلك يصير القذف موجبا جلدا مؤلما محرما لقبول الشهادة ، وذلك منصوص عليه في قوله تعالى {
فاجلدوهم } والفاء للتعقيب وقوله تعالى {
ولا تقبلوا لهم } معطوف على الجلد والعطف للاشتراك بين المعطوف والمعطوف عليه .
فإذا كان المعطوف عليه حدا كان المعطوف من تمام الحد كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله في قوله صلى الله عليه وسلم وتغريب عام إنه من تمام حد البكر ، ولكن نقول هناك التغريب لا يصلح أن يكون حدا لما فيه من الإغراء على ارتكاب الفاحشة دون الزجر وهنا رد الشهادة صالح لتتميم الحد ; لأنه مؤلم قلبه كما أن الجلد مؤلم بدنه ففيه معنى الزجر ، ثم حرمة القاذف باللسان ورد شهادته حد في المحل الذي حصل به الجريمة ، وذلك مشروع كحد السرقة والمقصود من هذا الحد دفع الشين عن المقذوف ، وذلك في إهدار قوله أظهر منه في إقامة الحد عليه ; فلهذا جعلنا رد الشهادة متمما للحد ، وهذا بخلاف قوله صلى الله عليه وسلم للسارق {
nindex.php?page=hadith&LINKID=81252اقطعوه ، ثم احسموا } فإن الحسم لا يكون متمما للحد ; لأنه دواء فلا يصلح أن يكون متمما للحد ، ثم حرف النفي في قوله تعالى {
ولا تقبلوا لهم شهادة } لا يمنع العطف فقد يعطف النهي على الأمر كما يقول لغيره اجلس ولا تتكلم وأما قوله تعالى {
وأولئك هم الفاسقون } ليس بعطف بل هو ابتداء بحرف الواو ، وقد يكون ذلك لحسن نظم الكلام كقوله تعالى {
والراسخون في العلم } وقوله تعالى {
ولباس التقوى } وقوله تعالى {
ويمح الله الباطل } وبيان أنه ليس بعطف أن قوله تعالى {
فاجلدوهم } أمر بفعل وهو خطاب الأمة وقوله تعالى {
ولا تقبلوا لهم } نهي عن فعل وهو خطاب الأمة أيضا
وقوله تعالى {
وأولئك هم الفاسقون } إثبات وصف لهم فكيف تتحقق المشاركة بينه وبين ما تقدم ليكون عطفا ، ولأن قوله تعالى {
وأولئك هم الفاسقون } بيان لجريمتهم وإزالة الإشكال أنهم لما أدى استوجبوا هذه العقوبة ، وما تقدم بيان الواجب بالجريمة ولا يتحقق عطف الجريمة على الواجب بها والدليل عليه أنه لو كان هذا عطفا لكان من الحد أيضا فينبغي أن لا يرتفع بالتوبة كما لا يرتفع بالحد فلا تأثير للتوبة في الحد
[ ص: 128 ] وإنما يسقط عنده بعفو المقذوف ويستوي في ذلك إن تاب القاذف ، أو لم يتب وكان ينبغي أن يقال إذا تاب حتى حرم بفسقه أن لا يقام عليه الحد ; لأن الحد لا يحتمل الوصف بالتحري والذي يوضح ما قلنا أن الثابت بالنص هو التوقف في خبر الفاسق كما قال الله تعالى {
فتبينوا } والمنصوص عليه هنا حكم آخر وهو الرد دون التوقف فعرفنا أنه ليس بسبب الفسق بل هو متمم للحد كما قررنا ، ولو كان رد الشهادة بسبب الفسق لكان في الآية عطف العلة على الحكم ، وذلك لا يحسن في البيان ; ولهذا الأصل قلنا بقبول شهادته قبل إقامة الحد عليه ، وإن لم يتب ; لأنه من تمام حده ، أو أنه بعد إقامة الحد ، وهذا ; لأن بإقامة الحد يصير محكوما بكذبه
والمتهم بالكذب لا شهادة له فالمحكوم بالكذب أولى ويستدل بهذا في تعيين المسألة فإنه بعد إقامة الحد عليه في جميع الحوادث بمنزلة الفاسق إذا شهد في حادثة فردت شهادته فتلك الشهادة لا تقبل منه بعد ذلك ، وإن تاب ; لأنه صار محكوما بكذبه فيها .
فكذلك المحدود في جميع الشهادة وبيان ما قلنا فيما روي أن
هلال بن أمية لما قذف امرأته
بشريك ابن سحماء قال المسلمون الآن يجلد
هلال فتبطل شهادته في المسلمين فذلك دليل على أنه لا تبطل شهادته قبل إقامة الحد ، وأن بطلان الشهادة من تمام الحد وتأويل قول
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه
لأبي بكرة تقبل شهادتك في الديانات .
( ألا ترى ) أن ما روي أن
أبا بكرة كان إذا استشهد في شيء قال وكيف تشهدني ، وقد أبطل المسلمون شهادتي وهو أعلم بحاله من غيره . فأما الذمي إذا أقيم عليه حد القذف سقطت شهادته وتم به حده ; لأنه كان من أهل الشهادة ، ثم بالإسلام استفاد شهادة لم تكن موجودة عند إقامة الحد وهذه الشهادة لم تصر مردودة ، وبه فارق العبد إذا أقيم عليه الحد ، ثم عتق ; لأن العبد لم يكن أهلا للشهادة وتمام الحد يرد الشهادة فيتوقف على ما بعد العتق فإن عتق الآن ، ثم حده ترد شهادته ، وهذا الفرق على الرواية التي يقول إن خبر المحدود في القذف في الديانات تقبل وأما على الرواية التي يقول لا يقبل خبره في الديانات وهو رواية المنتقى فوجه الفرق بينهما أن الكافر بالإسلام استفاد عدالة لم تكن موجودة عند إقامة الحد وهذه العدالة لم تصر مجروحة بخلاف العبد فهو بالعتق لا يستفيد عدالة لم تكن موجودة من قبل ، وقد صارت عدالته مجروحة بإقامة الحد عليه فلا تقبل شهادته بحال فإن ( قال ) القاذف عندي لا يكون أهلا للشهادة عند إقامة الحد عليه ; لأنه فاسق ، وإنما يستفيد الأهلية بعد ذلك بالتوبة
( قلنا ) لا كذلك فقد قامت الدلالة لنا على أن الفاسق من أهل الشهادة ، وفي قوله تعالى {
ولا تقبلوا لهم شهادة } ما يدل
[ ص: 129 ] على ذلك ، ثم مذهبه هذا من أقوى دليل لنا عليه فإن عنده قبل التوبة لا شهادة له فلا تتصور رد شهادته ويتبين بهذا أن المراد من قوله تعالى {
ولا تقبلوا لهم شهادة } رد لشهادته بعد وجودها بالأهلية ، وذلك بعد التوبة .