ولا تقبل
شهادة الفاسق ; لأن الله تعالى أمر بالتوقف في خبر الفاسق بقوله تعالى {
يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ [ ص: 131 ] فتبينوا أن تصيبوا } والأمر بالتوقف يمنع العمل بالشهادة ، وهذا ; لأن رجحان جانب الصدق لا يظهر في شهادة الفاسق ; لأن اعتبار اعتقاده يدل على صدقه واعتبار تعاطيه يدل أنه كاذب في شهادته فلتعارض الأدلة يجب التوقف ، ثم لما لم ينزجر عن ارتكاب محظور دينه مع اعتقاده حرمته فالظاهر أنه لا ينزجر عن شهادة الزور مع اعتقاده حرمته وعن
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف رحمه الله يقول إذا كان وجيها في الناس ذا مروءة تقبل شهادته ; لأنه لا تتمكن تهمة الكذب في شهادته فلوجاهته لا يتجاسر أحد من استئجاره لأداء الشهادة ولمروءته يمتنع من الكذب من غير منفعة له في ذلك .
والأصح أن شهادته لا تقبل ; لأن قبول الشهادة في العمل بها لإكرام الشهود كما قال صلى الله عليه وسلم {
أكرموا الشهود فإن الله تعالى يحيي الحقوق بهم } ، وفي حق الفاسق أمر بخلاف ذلك قال صلى الله عليه وسلم إذا لقيت الفاسق فألقه بوجه مكفهر ومن يكون معلنا للفسق فلا مروءة له شرعا ; فلهذا لا تقبل شهادته ولا
شهادة آكل الربا المشهور بذلك والمعروف به المقيم عليه فإنه فاسق محارب قال الله تعالى {
فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله } ، ولكنه شرط أن يكون مشهورا به مقيما عليه ; لأن العقود الفاسدة كلها ربا قال الله تعالى {
وأحل الله البيع وحرم الربا } والإنسان في العادة لا يمكنه أن يتحرز عن الأسباب المفسدة للعقد في جميع معاملاته فقد لا يهتدي إلى بعض ذلك ; فلهذا لا تسقط عدالته إذا لم يكن مشهورا بأكل الربا مصرا عليه ولا
شهادة مدمن الخمر ولا مدمن السكر ; لأنه مرتكب للكبيرة مستوجب للحد على ذلك .
وذلك تسقط عدالته ، وإنما شرط الإدمان ليكون ذلك ظاهرا منه فإن من يتهم بالشرب ، ولكن لا يظهر ذلك لا يخرج من أن يكون عدلا ، وإنما تسقط عدالته إذا كان يظهر ذلك أو يخرج سكران يسخر منه الصبيان فلا مروءة لمثله ولا يبالي من الكذب عادة ولا شهادة المخنث ; لأنه فاسق ومراده إذا كان مخنثا في الردي من أفعاله . فأما إذا كان في كلامه لين ، وفي أعضائه تكسر ولم يشتهر بشيء من الأفعال الردية فهذا عدل مقبول الشهادة .
( ألا ترى ) أن {
هبت المخنث كان يدخل بيوت أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عنهن حتى سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم منه كلمة شنيعة أمر بإخراجه } ولا
شهادة من يلعب بالحمام يطيرهن لشدة غفلته فالظاهر أن يكون قلبه مع ذلك في عامة أحواله ، وأنه يقل نظره في سائر الأمور ، ثم هو مصر على نوع لعب . وقال صلى الله عليه وسلم {
ما أنا من در ولا الدر مني } والغالب أنه ينظر إلى العورات في السطوح وغيرها ، وذلك فسق . فأما إذا كان يمسك الحمام في بيته يستأنس بها ولا
[ ص: 132 ] يطيرها عادة فهو عدل مقبول الشهادة ; لأن إمساك الحمام في البيوت مباح .
( ألا ترى ) أن الناس يتخذون بروج الحمامات ولم يمنع من ذلك أحد ولا
شهادة صاحب الغناء الذي يخادن عليه ويجمعهم والنائحة ; لأنه مصر على نوع فسق ويستخف به عند الصلحاء من الناس ولا يمتنع من المحازقة والإقدام على الكذب عادة ; فلهذا لا تقبل شهادته .