مريض وهب عبدا له لرجل وقبضه وقيمته ألف درهم ولا مال له غيره ، ثم قتل العبد المريض عمدا وله ابنان فعفى أحدهما للموهوب له فله الخيار بين الدفع والفداء ; لأن الموهوب بالقبض صار مملوكا له قائما حتى ملكه على الواهب ، وفي جناية المملوك إذا وجب المال كان المالك بالخيار بين الدفع والفداء ، وقد وجب المال هنا يعفو أحد الابنين إن اختار أن يفديه بنصف الدية ، وهو خمسة آلاف يسلم العبد كله له ; لأن نصف الدية مع رقبته من تركة الميت فكانت الرقبة دون الثلث فتنفذ الهبة في جميعه ويكون نصف الدية بين الاثنين للعافي منها نصف سدسها ; لأن العبد إنما يسلم للموهوب له بطريق الوصية وضرر تنفيذ الوصية يكون على جميع الورثة لحصتهم فيقسم ما بقي من التركة بين الابنين على ما كان يقسم عليه أن لو لم يكن هناك وصية بخلاف ما تقدم من مسألة الوديعة والدين ; لأن الوديعة وما قضى به الدين ليس من جملة تركته عند الموت فلا يثبت فيه حق العافي وهنا ما ينفذ فيه الهبة لا يخرج من أن يكون من جملة التركة ; لأن الهبة في المرض وصية
[ ص: 42 ] والوصية إنما تنفذ من التركة فيثبت باعتبار حق العافي فلهذا يقسم ما بقي بعد تنفيذ الوصية بينهما على اثني عشر سهما ، وإن اختار الدفع رد ثلاثة أخماس العبد بحكم بعض الهبة فيها ويدفع خمس العبد بالجناية إلى الذي لم يعف ويبقى في يده خمس هو سالم له ، ثم ما اجتمع في يد الابنين ، وهو أربعة أخماس بينهما على اثني عشر سهما للعافي منها خمسة أسهم وللذي لم يعف سبعة فكان ينبغي أن تنفذ الهبة في ثلث العبد ; لأن الوصية لا تنفذ في أكثر من الثلث ، ولكن نفذها في خمسي العبد هنا لضرورة الدور ، وبيان ذلك أن العبد في الأصل يجعل على ستة لحاجتنا إلى ثلث ينقسم نصفين حتى يدفع النصف بالجناية إلى الذي لم يعف فتنفذ الهبة في سهمين ، وهو الثلث ، ثم يدفع بالجناية أحدهما إلى الذي لم يعف فيصير في يد الورثة خمسة
وإنما حقهم في أربعة فيظهر زيادة سهم في حق الورثة ، وهذا غائر لأنك كلما زدت في تنفيذ الهبة يزداد المدفوع بالجناية فلا يزال يدور كذلك والسبيل في الدور أن يقطع وطريق القطع طرح السهم الزائد من جانب من خرج من قبله ; لأن هذا السهم يباع بالفساد فالسبيل نفيه فيطرح من أصل حق الورثة سهما فترجع سهام العبد فتنفذ الهبة في سهمين ، ثم يدفع أحدهما بالجناية فحصل عند الورثة أربعة ، وقد نفذنا الهبة في سهمين فيستقيم الثلث والثلثان ، وإنما قسمنا أربعة أخماس العبد بين الابنين على اثني عشر سهما ; لأن سهام العبد لما صارت على خمسة فحق كل واحد منهما في سهمين ونصف أن لو لم يكن هناك وصية ، ثم الذي لم يعف أخذ سهما آخر أيضا فيصير حقه في ثلاثة ونصف وحق الآخر في سهمين ونصف فما بقي بعد تنفيذ الهبة يقسم على أصل حقهما ، وقد انكسر بالإنصاف فأضعفه ليزول الكسر فالذي كان له ثلاثة ونصف صار حقه سبعة والذي كان له سهمان ونصف صار حقة خمسة فلهذا كانت القسمة بينهما على اثني عشر سهما .
وطريق الدينار والدرهم في تخريج هذه المسألة أن يجعل العبد دينارا أو درهمين ، ثم تنفذ الهبة في درهمين ويدفع أحدهما إلى الذي لم يعف فيصير في يد الورثة دينارا ودرهما وحاجتهم إلى أربعة دراهم فاجعل الدرهم قصاصا بمثله يبقى في يدهم دينار يعدل ثلاثة دراهم فاقلب الفضة واجعل آخر الدراهم آخر الدنانير فتصير الدينار بمعنى ثلاثة والدرهم بمعنى واحد ، ثم عد إلى الأصل فتقول كما جعلنا العبد دينارا ، وذلك بمعنى ثلاثة ودرهمين كل واحد فذلك خمسة ، ثم نفذنا بالهبة في درهمين ، وذلك خمسا العبد والذي حصل للورثة دينار وبمعنى ثلاثة ودرهم بمعنى واحد ، وذلك أربعة فيستقيم الثلث والثلثان وطريق الجبر والمقابلة فيه أن تنفذ
[ ص: 43 ] الهبة في شيء من العبد ، ثم يدفع نصفه بالجناية إلى الذي لم يعف فيحصل في يد الورثة عبد إلا نصف شيء ، وهو حاجتهم إلى ستين ; لأنا نفذنا الهبة في شيء فاجبر العبد بنصف شيء ورد فيما يعدله نصف شيء يتبين أن العبد الكامل بمعنى ستين ونصف ، وقد نفذنا الهبة في شيء وشيء من ستين ، ونصف خمساه فتبين أن الهبة جازت في خمسي العبد ، وطريق الخطأين فيه أن يجعل العبد على ستة تنفذ الهبة في سهمين ويدفع بالجناية فيحصل في يد الورثة خمسة وحاجتهم إلى أربعة ظهر الخطأ بزيادة سهم فعد إلى الأصل ونفذ الهبة في ثلاثة ، ثم تدفع بالجناية سهم ونصف فيصير في يد الورثة أو بعفو نصف وحاجتهم إلى ستة ضعف ما نفذنا فيه الهبة فظهر الخطأ الثاني نقصان سهم ونصف ، وكان الخطأ الأول بزيادة سهم فلما زدنا في الهبة سهما ذهب ذلك الخطأ وجلب خطأ سهم ونصف فعرفنا أن كل سهم يؤثر في سهمين ونصف فالسبيل أن يزيد في الهبة ما يذهب الخطأ ولا يجلب إلينا خطأ آخر ، وذلك خمسا سهم فتنفذ الهبة في سهمين فتبقى في يد الورثة ثلاثة وثلاثة أخماس ، ثم يدفع بالجناية نصف ما نفذنا فيه الهبة ، وهو سهم وخمس فيصير في يد الورثة أربعة وأربعة أخماس ، وهو ضعف ما نفذنا فيه الهبة فيستقيم الثلث والثلثان وسهمان وخمسان من ستة يكون خمساها فيتبين أن الهبة إنما جازت في خمسي العبد
وطريق الجامع الأصغر أن يأخذ المال الأول ، وهو ستة ويضربه في الخطأ الثاني ، وهو سهم ونصف فيصير تسعة ويأخذ المال الثاني ، وهو ستة ويضربه في الخطأ الأول ، وهو سهم فيكون ستة ، ثم يجمع بينهما إلا أن أحد الخطأين إلى الزيادة والآخر إلى النقصان ، والطريق في مثله الجمع لا الطرح فصار خمسة عشر فهو جملة المال ، وبيان معرفة ما جاز فيه الهبة أن يأخذ ما نفذنا فيه الهبة أولا وذلك سهمان ، فيضرب ذلك في الخطأ الثاني ، وهو سهم ونصف فيكون ثلاثة ، ثم يضرب ما جاز فيه الهبة ثانيا ، وهو ثلاثة في الخطأ الأول ، وهو واحد فيكون ثلاثة ، ثم يجمع بينهما فتكون ستة فظهر أن ما نفذنا فيه الهبة ستة من خمسة عشر ، وذلك خمساها ; لأن كل خمس ثلاثة ، وطريق الجامع الأكبر أنه لما ظهر الخطأ الأول كان يسهم فأضعف المال سوى النصيب والمال سوى النصيب أربعة ، فإذا ضعفته كان ثمانية وجملة سهام العبد عشر تنفذ الهبة في سهمين يدفع بالجناية أحدهما فيحصل في يد الوارث تسعة وحاجته إلى أربعة ظهر الخطأ بزيادة خمسة فضرب المال الأول ، وهو ستة في الخطأ الثاني ، وهو خمسة فيكون ثلثين واضرب المال الثاني ، وهو عشرة في الخطأ الأول ، وهو واحد فيكون عشرة
[ ص: 44 ] واطرح الأقل من الأكثر يبقى عشرون فهو المال ومعرفة ما نفذنا فيه الهبة أن تأخذ سهمين وتضربهما في الخطأ الثاني ، وهو خمسة فيكون عشرة ، ثم تأخذ سهمين ، وهو ما نفذنا فيه الهبة ثانيا وتضربه في الخطأ الأول ، وهو واحد فيكون اثنين اطرح الأقل من الأكثر يبقى ثمانية فهو القدر الذي جاز فيه الهبة وثمانية من عشرين يكون خمسها كل خمس أربعة فتبين أن الهبة إنما جازت في خمسي العبد على الطرق كلها ، والله أعلم بالصواب .