( باب الإقرار بالاستفهام )
( قال رحمه الله )
: رجل قال لآخر : أليس قد أقرضتني ألف درهم أمس ، فقال الطالب بلى فجحده المقر فالمال يلزمه ; لأن قوله " أليس قد أقرضتني " استفهام فيه معنى التقرير كما قال الله
[ ص: 71 ] تعالى {
أليس الله بكاف عبده } ومعنى التقرير أنك قد أقرضتني ، قول الطالب بلى تصديق له في الإقرار . وكذلك لو
قال أما أقرضتني أمس أو قال ألم تقرضني أمس فهذا استفهام فيه معنى التقرير قال الله تعالى {
ألم يأتكم رسل منكم } . وكذلك لو
قال الطالب أليس لي عليك ألف درهم ، فقال بلى كان هذا إقرارا ; لأن قوله أليس استفهام وقوله بلى جواب عنه فيكون معناه بلى لك علي ألف درهم كما قال الله تعالى {
ألست بربكم قالوا بلى } معناه بلى أنت ربنا ، وهذا على ما قال أهل اللغة أن كلمة بلى جواب الابتداء بل هو نفي ، وقد قرن به الاستفهام وكلمة نعم جواب الاستفهام المحض ، وكان المعنى فيه أن الاستفهام متى كان بحرف الإثبات فقول نعم جواب صالح له ومتى كان بحرف النفي فجواب ما هو إثبات بعد النفي ، وهو كلمة بلى يقال في تبدل الكلام لا بل كذا فلهذا كانت كلمة بلى جوابا للاستفهام بلفظ النفي ، وهو قوله " ألست " ، ثم ذكر مسائل تقدم بيانها في قوله أقرضتني وأعطيتني إذ قال بعد ذلك لم أقبض وزاد هنا لو قال : أخذت منك ألف درهم فلم تتركني أذهب بها لم يصدق في ذلك ، وإن وصل كلامه لأنه أقر على نفسه بفعل موجب للضمان ، وهو الأخذ فكان هو مدعيا إسقاط الضمان عن نفسه بعد ما تقرر سببه فلا يصدق إلا بحجة كالغاصب يدعي الرد . وكذلك لو قال غصبت منك ألف درهم فانتزعتها مني لم يصدق ، وإن كان موصولا ; لأن دعوى الانتزاع منه دعوى إسقاط الضمان بعد تقرر سببه بمنزلة دعوى الرد ، وهذا لأن الوصل بالكلام إنما يكون معتبرا فيما هو بيان ، فأما دعوى الفعل المسقط للضمان فليس يرجع إلى بيان أول كلامه والموصول والمفصول فيه سواء .