وإذا
ادعى الوكيل دعوى في دار في يدي رجل لموكله فأنكر ذو اليد الوكالة والدعوى ، فشهد ابنا ذي اليد على الوكالة بالخصومة فهو جائز ; لأنهما يشهدان على أبيهما فإنهما يلزمانه الجواب عند دعوى الوكيل ، وإذا
أشهدا رجلين على شهادتهما ، ثم ارتد الأصليان ، ثم أسلما لم تجز شهادة الآخرين على شهادتهما ; لأن شهادتهما عند الآخرين تبطل بارتدادهما ، بمنزلة شهادتهما عند القاضي
[ ص: 25 ] فإنهما لو شهدا عند القاضي ، ثم ارتدا قبل القضاء بطلت بشهادتهما ، فكذلك إذا شهدا عند الفرعيين والحاصل أن بردتهما لا يبطل أصل شهادتهما ، إنما يبطل أداؤهما ; لأن سبب أصل الشهادة معا بينهما ، وذلك لا ينعدم بالردة ، ولأن اقتران الردة بالتحمل لا يمنع صحة تحمل الشهادة ، فاعتراضهما لا يمنع البقاء بطريق الأولى .
فأما اقتران الردة بالأداء فيمنع صحة الأداء ، فاعتراضهما بعد الأداء قبل حصول المقصود به يكون مبطلا للأداء ، وإنما يجوز للفرعيين أن يشهدا بأداء الأصليين عندهما ، وقد بطل ذلك بردتهما ، وإن شهد الأصليان بأنفسهما بعد ما أسلما جازت شهادتهما لبقاء أصل الشهادة لهما بعد الردة ، وكذلك لو
شهد على شهادتهما رجلان ، ثم فسقا لم يجز أداؤهما ; لأن أداءهما عند الفرعيين بمنزلة أدائهما عند القاضي ، وفسق الشاهدين عند الأداء يمنع القاضي من العمل بشهادتهما ، فكذلك فسقهما هنا يمنع الفرعيين من أن يشهدا على شهادتهما ، ولكن إنما يبطل بفسقهما أداؤهما ، لا أصل شهادتهما ، حتى إذا تابا وأصلحا ، ثم شهدا بذلك جاز ، وكذلك لو شهدا على شهادتهما بعد التوبة ذلك الشاهدان أو غيرهما جاز ، فإن شهد الفرعيان على شهادة الفاسقين عند القاضي فردهما لتهمة الأولين ، لم يقبلها أبدا من الأولين ولا ممن يشهد على شهادتهما ; لأن الفرعيين نقلا شهادة الأصليين إلى القاضي فكأنهما حضرا بأنفسهما وشهدا ، والفاسق إذا شهد فرد القاضي شهادته تأيد ذلك الرد ، ولأن الفسق لا يعدم الأهلية للشهادة فالمردود كان شهادة ، وقد حكم القاضي ببطلانها فلا يصححها بعد ذلك أبدا ، وإن كان الأصليان عدلين فرد القاضي الشهادة لفسق الفرعيين ، ثم حضر الأصليان وشهدا ، قبل القاضي شهادتهما ; لأن القاضي إنما أبطل هنا نقل الفرعيين لفسق فيهما ، وما أبطل المنقول ، وهو شهادة الأصليين ; لأن إبطال الفسق المنقول لا يكون إلا بعد ثبوته في مجلسه ، ولم يثبت ذلك إلا بنقل الفاسق بخلاف الأول ، فإن النقل هناك قد ثبت بعدالة الفرعيين ، وإنما أبطل القاضي المنقول ، وهو شهادة الأصليين فلا يقبلها بعد ذلك .