صفحة جزء
ولو أوصى بشيء لما في بطن فلانة لم تجز له الوصية إلا أن تضعه لأقل من ستة أشهر فحينئذ تيقن أنه كان موجودا حين أوجب الوصية له ، وإن جاءت به لأكثر من ستة أشهر لا يتيقن بوجوده حين وجبت الوصية له والوصية أخت الميراث والجنين إذا كان موجودا في البطن يجعل في حكم الميراث كالمنفصل ، وكذلك في حكم الوصية ، وإن أقر الموصي أنها حامل ثبتت الوصية له إن وضعته ما بينه وبين سنتين من يوم أوصى ; لأن وجوده في البطن عند الوصية ثبت بإقرار الموصي ، فإنه غير متهم في هذا الإقرار ; لأنه يوجب له ما هو من خالص حقه بناء على هذا الإقرار ، وهو الثلث فيلحق بما لو صار معلوما هنا بأن وضعته لأقل من ستة أشهر ، فإن صالح عنه أبوه على شيء لم يجز فعل الأب على ما في البطن ، فإن ثبوت الولاية لحاجة المولى عليه إلى النظر ، ولا حاجة للجنين إلى [ ص: 8 ] ذلك ولأن الجنين في حكم جزء من أجزاء الأم ما دام متصلا بها من وجه فكما لا يثبت للأب الولاية على الأم فكذلك على ما هو من أجزائها ، وكذلك الأم لو كانت هي التي صالحت ; لأن الأبوة في إثبات الولاية أقوى من الأمومة ، فإذا كان لا تثبت الولاية على ما في البطن للأب فللأم أولى . والجنين وإن كان بمنزلة جزء منها من وجه فهو أولى في الحقيقة في نفس مودعة فيها ولاعتبار معنى النفسية صحت الوصية فالوصية للأجزاء لا تصح ، ولا يمكن تصحيح هذا الصلح من الأم باعتبار الحرية لهذا المعنى ، فإن ولدت غلاما وجارية فالوصية بينهما نصفان ; لأن استحقاق الوصية بالإيجاب بالعقد والذكر والأنثى في ذلك سواء ، وإنما التفاوت بينهما فيما يستحق ميراثا .

وإن ولدت أحدهما ميتا ، وهو للحي منهما بمنزلة ما لو أوصى لحي وميت ، فإن ولدتهما ميتين أو لأكثر من سنتين حييين فالوصية باطلة ، وإن ضرب إنسان بطنها فألقت جنينا ميتا فالوصية تبطل أيضا ; لأن الأرش لا يقوم مقامه أن لو انفصل حيا في استحقاق الوصية كما لا يقوم مقامه في استحقاق الميراث والوصية له في هذا الوجه مخالفة للوصية به ; لأن البدل لا يقوم مقام الأصل في الحكم الذي يصلح أن يكون مبادلة ، والأرش يجوز أن يكون مستحقا بالوصية كالأصل أن لو انفصل حيا فقام مقامه في ذلك ، والأرش لا يجوز أن يكون مستحقا بالوصية ، فلا يقوم مقامه الأصل في حكم تصحيح الوصية له فلهذا بطلت وصيته .

ولو كان الحمل عبدا فصالح مولاه عليه لا يجوز ; لأن الولاية كما لا تثبت على ما في البطن باعتبار الأبوة فكذلك لا تثبت باعتبار الملك بل أولى ، فإن المالكية على القدرة والاستيلاء وذلك يتحقق على ما في البطن ، فإن صالح مولى الابن الحمل بعد موت المريض على صلح ، ثم أعتق المولى الأمة الحامل عتق ما في بطنها ، ثم ولدت غلاما فالغلام حر ; لأنه انفصل منها وهي حرة ، ولا وصية له والوصية لمولاه ; لأن وجوب الوصية بالموت وعند الموت كان مملوكا فصار الموصى به ملكا للمولى ، ثم عتق بعد ذلك بإعتاق الأم ، وهو لا يبطل ملكه عما صار مستحقا له من كسبه ، ولا يجوز الصلح أيضا ; لأنه لا يمكن تصحيح الصلح بطريق الولاية على ما في البطن ، ولا باعتبار حقه ; لأن ثبوت حقه بطريق الخلافة فالمولى يخلف العبد في استحقاق كسبه خلافة الوارث المورث وما لم يتم سبب الاستحقاق للمملوك لا يخلفه المولى في ذلك ، وإنما يتم السبب إذا انفصل حيا والصلح قبل ذلك فلهذا لم يجز ، وكذلك لو باع الأمة ، وكذلك لو دبر ما في بطنها ، وهذا أظهر فالتدبير لا يخرج المولى من أن يكون مستحقا لكسب المدبر ، ولو كان الموصى له حيا ، ثم أعتق [ ص: 9 ] المولى الأمة والولد أو أعتق الأمة دون الولد ، ثم مات الموصي كانت الوصية للغلام دون المولى ; لأنه صار حرا سواء أعتقه مقصودا أو أعتق أمه ، وإنما وجبت الوصية بالموت .

ولو كان حرا يومئذ فكانت الوصية له دون المولى ، ولو صالح الورثة من الوصية قبل موت الموصي لم يجز ; لأن استحقاق الوصية بالموت والصلح قبل ثبوت الاستحقاق لا يصح ; لأن صحته على وجه إسقاط الحق بعوض ، فإذا لم يكن العوض مستحقا كان الصلح باطلا

.

التالي السابق


الخدمات العلمية