ولو
كان السلم إلى أجل فصالحه على أن يأخذ نصف رأس المال ويناقضه السلم ويعجل له نصف السلم قبل الأجل جاز النقض في نصف رأس المال ، ولم يجز التعجيل ; لأن الصلح على رأس المال إقالة ، وقد شرط في الإقالة تعجيل النصف الآخر وإسقاط المسلم إليه حقه في الأجل ، وهو شرط فاسد إلا أن الإقالة لا تتعلق بالجائز من الشروط ولهذا لا يشترط فيها تسمية البدل فالفاسد من الشروط لا يبطلها ، وأما شرط التعجيل في النصف الآخر فباطل ; لأنه مقابلة الأجل بشيء مما عاد إليه المسلم فيه أو بمنفعة حصلت له بالإقالة في النصف وذلك باطل فيكون الباقي عليه إلى أجله ، ولو كان
أسلم كر حنطة إلى رجل فصالحه على أن زاده في الأجل شهرا على أن حط عنه من رأس المال درهما ورد عليه الدرهم لم يجز ; لأنه مقابلة الأجل بالدرهم المردود وذلك ربا
ولو
كان حالا فرد عليه من رأس المال درهما على أن الكر عليه كما كان أو على أن أخره شهرا كان جائزا ، أما إذا
شرط أن الكر عليه كما كان فهو غير مشكل ; لأن المسلم إليه حط درهما من رأس المال ، ولم يشرط لنفسه بمقابلته شيئا ، وإنما الإشكال في قوله أو على أنه أخره شهرا ، فإن كان المراد على أن أخر المسلم فيه عنه شهرا فهو غلط ; لأنه مقابلة الأجل بالدرهم الذي رده عليه وذلك ربا ، وإن كان المراد منه على أن أخره بالدرهم المحطوط شهرا فهذا صحيح ; لأن المحطوط واجب رده باعتبار القبض فيجوز التأجيل فيه كالمغصوب المستهلك ، وهو الظاهر من مراده ; لأنه قال : وكذلك لو افترقا قبل أن يقبض الدرهم فيه تبين أن المراد بيان أن المحطوط لا يجب قبضه في المجلس ويجوز التأجيل فيه ، وإذا
اصطلحا على أن يرد عليه رأس المال وهي جارية قد ولدت عند المسلم إليه ، فإنه يأخذ قيمتها يوم دفعها إليه ; لأن الزيادة المنفصلة متولدة من عينها ومثل هذه الزيادة تمنع فسخ العقد على العين ; لأن الولد يبقى فضلا خاليا عن المقابلة فيكون ربا - وقد بيناه في البيوع - إلا أن الإقالة لا تبطل بالشرط الفاسد ، واشتراط رد عينها بعد الولادة بشرط فاسد لا يمنع صحة الإقالة وبعد صحتها يجب رد قيمتها يوم قسطها لتعذر رد عينها .
وكذلك لو
قتل الولد فأخذ أرشه ; لأن قيام بدله في يده كقيام عينه ، وإن كان الولد مات كان له أن يأخذ الجارية ; لأن المانع كان هو الزيادة ، وقد فات من غير صنع أحد فصار كأن لم يكن ، فإن
كانت الولادة بقبضها كان لرب السلم الخيار إن شاء أخذها ، وإن شاء أخذ قيمتها يوم دفعها بمنزلة
[ ص: 47 ] ما لو تعيبت عنده بعيب آخر ، وهذا لأن تعذر الرد بعد النقصان فحق رب السلم ، فإذا رضي به جاز رده ، فأما بعد الزيادة بعد الرد فحق الشرع ، وهو معنى الربا ، فلا يسقط ذلك برضا رب السلم بها ، ولو
لم تكن ولدت ولكنه جنى عليها فأخذ أرش الجناية لم يكن لرب السلم إلا قيمتها ; لأن الأرش بدل جزء من عينها فهو بمنزلة الزيادة المنفصلة المتولدة من العين .
ولو
كان المسلم إليه باعها لرب السلم ، ثم صالحه على رأس المال فعلى المسلم إليه قيمتها يوم قبضها بمنزلة ما لو باعها من غيره ، وكذلك لو وهبها له على عوض فالهبة بشرط العوض بعد التقابض كالبيع ، وإن
وهبها بغير عوض ففي القياس كذلك بمنزلة ما لو وهبها من غيره ، وفي الاستحسان لا يرجع بشيء ; لأن ما هو المقصود له عند الإقالة قد حصل له قبل الإقالة ، وهو عود رأس المال إليه مجانا ، فلا يستوجب عند الإقالة شيئا آخر ، كمن عليه الدين المؤجل إذا أجل ، ثم حل الأجل بخلاف البيع فهناك لم يحصل مقصوده ; لأن رأس المال ما يسلم له إلا بعوض غرمه من ماله ، وهذا نظير ما بيناه في الصداق إذا كان عينا فوهبته للزوج ، ثم طلقها قبل أن يدخل بها .
وإذا
كان السلم حنطة رأس مالها مائة درهم فصالحه على أن يرد عليه مائتي درهم أو مائة وخمسين درهما لم يجز ; لأن هذا استبدال وليس بإقالة ، فإنه يسمى فيه ما لم يكن مذكورا في العقد ، والصلح إنما يكون إقالة إذا كان على رأس المال ، فإذا كان على شيء آخر فهو استبدال والاستبدال بالمسلم فيه باطل ، وإن
صالحه على مائة درهم من رأس ماله فهو جائز ; لأن حرف " من " هنا صلة فيبقى الصلح على مائة درهم رأس ماله وذلك إقالة ، وكذلك إن
قال : خمسين درهما من رأس مالك فهو جائز ; لأنه لم يذكر فيه ما لم يكن مستحقا بالعقد فيكون إقالة ، فإن قال : مائتي درهم من رأس مالك فهو باطل ; لأن رأس المال دون المائتين فحين ذكر في الصلح ما لم يكن مذكورا في العقد كان ذلك استبدالا للمسلم فيه ، وإذا كان بعض ما هو مذكور في العقد فهو إقالة صحيحة ، وشرط ترك بعض رأس المال له باطل ، والإقالة لا تبطل بالشرط الفاسد .