وإذا
صالح رب السلم المسلم إليه على أن يرد عليه رأس المال وبعض المسلم فيه لم يجز ; لأن هذا استبدال للمسلم فيه ، فإن بمقابلة نصف المسلم فيه نصف رأس المال ، وهو قد صالحه على أن يرد عليه بمقابلة نصف المسلم فيه جميع رأس المال فيكون هذا استبدالا وذلك باطل ، ولو
كان رأس المال ثوبا فصالحه على أن أبرأه عن الطعام على أن يرد عليه رب السلم خمسة دراهم فهذا باطل أيضا ; لأن المسلم فيه يأخذ الخمس أيضا بغير شيء أعطاه إياه ، فإن الطعام قد سقط عنه كله ومثل هذا يكون ربا ، وإذا
كان رأس المال عرضا فصالحه فباعه المسلم إليه من رب السلم بطعام مثل طعامه أو أكثر جاز ، وإن رب السلم بائع لذلك العرض ، وقد اشترى بعد السلم بمثل ما باعه أو بأكثر وذلك جائز ، وإن باعه بأقل لم يجز ; لأنه اشترى ما باع بأقل مما باع قبل نقد السلم ، وهو المسلم فيه فغير جائز ; لأنه استرباح على ما لم يدخل في ضمانه ، وقد بيناه في البيوع ، وكذلك لو كان ذلك بطريقة الصلح .
وإذا
كان رأس المال شاة فأصاب المسلم إليه من لبنها وصوفها وسمنها ، ثم صالحه على رأس المال جاز وعليه ثمنها لمكان الزيادة المتولدة من العين كما في الولد الذي قدمنا قال : إلا أن يرضى رب السلم أن يأخذ الشاة بعينها ومراده إذا لم تكن الزيادة قائمة ولكن المسلم إليه هنا استهلكها ، فإن لم يجب عليه عوض بالاستهلاك فيكون هذا بمنزلة تفويته جزءا من عينها وذلك يمنع رد عينها بعد الإقالة إلا أن يرضى به رب السلم فهذا مثله ، وكذلك لو
كان نخلا فأكل من ثمرته بخلاف الولد الذي أعتقه فهناك ، ولاء الولد باق له والولاء أثر من آثار الملك فيكون بقاؤه كبقاء ملكه في الولد فيمنع رد عينها ، وإن رضي رب السلم بها رهنا بعد الاستهلاك لم يبق شيء من الزيادة فوزان هذا من ذلك أنه لو قتل الولد ، ولو
كان عبدا فأكل من غلته ، ثم صالحه على رأس المال كان عليه أن يرد العبد ، ولا يرد الغلة ; لأن الغلة ليست متولدة من العين ، وقد بينا الفرق بينها وبين الزيادة من العين في البيوع .
قال : فإذا كان
[ ص: 50 ] السلم فاسدا ، فلا بأس بأن يشتري برأس ماله ما يشاء يدا بيد كما يشتري بالعرض ; لأن المسلم فيه مع فساد العقد غير مستحق فما بقي من رأس المال لا يكون بدلا من المسلم فيه ، ولا هو مستحق بقية السلم إنما هو بمنزلة قرض أقرضه والاستبدال ببدل القرض جائز بخلاف الاستبدال برأس المال بعد الإقالة في باب السلم ; لأن المقبوض كان مستحقا بعقد القبض وكان السلم بدلا عن المسلم فيه ، فلا يجوز الاستبدال فيه بعد الفسخ كما لا يجوز الاستبدال في المسلم فيه ، ولا برأس المال قبل الفسخ .