ولو
غصبه مائة درهم وعشرة دنانير فاستهلكهما ، ثم صالحه منهما على كر حنطة بعينه ، ثم استحق الكر ووجد به عيبا فرده رجع بالدراهم والدنانير ; لأن بالاستحقاق والرد بالعيب انتقض الصلح وكان قد صح بطريق المعاوضة ، فإنما يرجع بعد انتقاضه بالعوض الذي كان حقا له ، وهو الدراهم والدنانير .
وإن
صالحه على خمسين درهما حالة أو مؤجلة فهو جائز ; لأنه مبرئ له عن الدنانير وعن بعض الدراهم ومؤجل له فيما بقي من حقه في الدراهم وكل ذلك مستقيم ، فإن
استحقت بعدما قبضها أو وجدها زيوفا أو ستوقة رجع بمثلها ، ولو لم ينتقض الصلح ; لأن صحته هنا بطريق الإسقاط دون المعاوضة فباستحقاق ما استوفي أو رده بعيب الزيافة لا يبطل الإبراء فيما سوى ذلك ، وإنما ينتقض القبض في المستوفى فيرجع بمثله ، وكذلك لو
صالحه على وزن خمسين درهما فضة فصحة هذا الصلح بطريق الإسقاط ; لأن المستوفى من جنس حقه ، فلا يمكن تصحيح الصلح بطريق المعاوضة ، وكذلك لو
غصبه مائة مثقال فضة تبرا وعشرة دنانير فصالحه على خمسين درهما [ ص: 58 ] حالة أو مؤجلة فهو جائز إذا كانت الدراهم مثل الفضة بطريق الجودة في الإسقاط لبعض حقه ، وإن كان خيرا منها لم يجز ; لأن زيادة الجودة فيما وقع عليه الصلح بمقابلة ما أسقط من الدنانير وبعض الدراهم وذلك ربا ، وهذا كله بخلاف ما سبق فيما إذا كانت الدنانير لإنسان والدراهم لآخر فصالحاه على مائة درهم أو صالحاه على عشرة دنانير ، لم يجز ، وقد غلط فيه بعض المتقدمين من أصحابنا رحمهم الله فقالوا يجوز الصلح في الوجهين على أن يكون صاحب الدراهم مبرئا عن بعض حقه مستوفيا لما يخصه من الدراهم ، فإن تصحيح الصلح بهذا الطريق ممكن كما إذا كان المالان لواحد ، ولكن الفرق بينهما واضح ، فإن المالين إذا كانا لاثنين ، فلا بد من قسمة ما وقع الصلح عليه بينهما على قدر ماليهما ، وإذا جعلنا صاحب الدراهم مبرئا عن بعض حقه لا يمكنه أن يزاحم صاحبه بما أبرأه عنه من العشرة ، فلا بد من اعتبار معنى المعاوضة في المالين ابتداء وباعتباره يظهر الربا ، ولا يوجد هذا المعنى فيما إذا كان المالان لواحد منهما فلهذا صح الصلح بطريق الإبراء .