( قال - رحمه الله - : ) وإذا
دفع الرجل إلى رجل مالا مضاربة بالنصف ، فعمل به في مصره ، أو في أهله ، فلا نفقة له في مال المضاربة ، ولا على رب المال ; لأن القياس أن لا يستحق المضارب النفقة في مال المضاربة بحال ، فإنه بمنزلة الوكيل ، أو المستبضع عامل لغيره بأمره ، أو بمنزلة الأجير لما شرط لنفسه من بعض الربح ، وواحد من هؤلاء لا يستحق النفقة في المال الذي يعمل فيه ، إلا أنا تركنا هذا القياس فيما إذا سافر بالمال لأجل الصرف ، فبقي ما قبل السفر على أصل القياس ، وهذا ; لأن مقامه في مصره أو في أهله ; لكونه متوطنا فيه لا لأجل مال المضاربة .
( ألا ترى ) أنه قبل عقد المضاربة كان متوطنا في هذا الموضع ؟ وكانت نفقته في مال نفسه ؟ فكذلك بعد المضاربة ، فأما
إذا خرج بالمال إلى مصر يتجر فيه ، كانت نفقته في مال
[ ص: 63 ] المضاربة في طريقه ، وفي المصر الذي يأتيه لأجل العادة ، وهذا ; لأن خروجه وسفره لأجل مال المضاربة ، والإنسان لا يتحمل هذه المشقة ، ثم ينفق من مال نفسه لأجل ربح موهوم ، عسى يحصل وعسى لا يحصل ، بل إنما رضي بتحمل هذه المشقة ، باعتبار منفعة تحصل له ، وليس ذلك إلا بالإنفاق من ماله الذي في يده ، فيما يرجع إلى كفايته ، بخلاف الوكيل ، والمستبضع ، فإنه متبرع في عمله لغيره ، غير طامع في شيء من ماله لأجله ، وبخلاف الأجير ; لأنه عامل له ببدل مضمون في ذمة المستأجر ، وذلك يحصل له بيقين ، فأما هذا فغير متبرع ، ولا هو مستوجب بدلا مضمونا ، بل حقه في ربح عسى يحصل أو لا يحصل ، فلا بد من أن يحصل له بإزاء ما تحمل من المشقة ، شيء معلوم .
وذلك نفقته في المال ، وهو بمنزلة الشريك ،
والشريك إذا سافر بمال الشركة ، فنفقته في ذلك المال .
وهو مروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد - رحمه الله - فالمضارب كذلك وهذا ; لأنه فرغ نفسه عن أشغاله لأجل مال المضاربة ، فهو كالمرأة إذا فرغت نفسها لزوجها بالمقام في بيته ، فأما في المصر فما فرغ نفسه لمال المضاربة ، فلا يستوجب نفقته فيه .