وإذا
اشترى المضارب بالمال متاعا ، أو لم يشتر به شيئا ، فنهاه رب المال أن يخرج من البلدة ، فليس له أن يخرجه من ذلك البلد ، أما قبل الشراء بالمال فالجواب صحيح واضح ; لأنه يملك نهيه عن التصرف أصلا ، ما بقي المال نقدا في يده ، فإذا قيد الأمر بشيء دون شيء ، كان أقرب إلى الصحة ، والحال قبل الشراء بعد العقد ; كحال العقد في انتفاء صفة اللزوم في حق كل واحد منهما وانعدام حق المضارب ، فكما أنه يملك التقييد عند العقد ، فكذلك بعد العقد قبل الشراء بالمال .
فأما بعد الشراء بالمال ; فمن أصحابنا - رحمهم الله - من يقول إنما يستقيم الجواب على الرواية التي رويت أنه ليس للمضارب أن يسافر بالمال بمطلق المضاربة ، وموضوع هذه المسألة ، فيما إذا قال له : اعمل برأيك . فإنما يملك المسافرة ، باعتبار هذه الزيادة ، وهو يملك رفع هذه الزيادة بعد الشراء ، فكذلك يملك التقيد فيما هو مستفاد بهذه الزيادة ، فأما على الرواية التي قلنا بمطلق العقد ; له حق المسافرة بالمال لا يستقيم هذا الجواب ; لأنه بعد صيرورة المال عروضا ، لا يملك نهيه عما صار مستفادا له بمطلق العقد ، وهو حق التصرف فيه ، فكذلك لا يملك التقييد فيه بالنهي عن المسافرة بالمال ، والأصح أن نهيه عن المسافرة بالمال ، عامل على الإطلاق ، وإن كان بمطلق المسافرة لدلالة اسم العقد ، فالمضاربة مشتقة من الضرب في الأرض ، أو لمراعاة ما نص عليه رب المال من حفظه المال بنفسه عند خروجه مسافرا كما في الوديعة .
وهذا كله ينعدم بالنهي عن المسافرة بالمال بخلاف أصل التصرف ، فإن حق المضارب يثبت بالتصرف حين صار المال عرضا ; لأن ربحه لا يظهر إلا بالتصرف ، ورب المال لا يملك إبطال حقه ، إما بالنهي عن المسافرة بالمال ، فليس فيه إبطال حق المضارب لتمكنه من التصرف في البلدة ، وإنما فيه إيفاء حق رب المال في أن يكون ماله مصونا عن أسباب الهلاك ، وهذا مملوك بعد ما صار المال عروضا كما كان قبله ، فإن أخرجه ، ضمنه للخلاف ، والأمين متى خالف ما أمر به نصا ، كان ضامنا ، وما أنفق على نفسه ،
[ ص: 69 ] أو على المال ، بعد ما صار ضامنا له ، فهو في ماله خاصة بمنزلة الغاصب ، فإن لم يحدث فيه حدثا حتى رده إلى البلد ، فهو بريء من ضمانه ; لأنه عاد إلى الوفاق بعد ما خالف ، والعقد قائم بينهما ، فيعود أمينا كما كان .
وكذلك لو
لم ينهه ، ولكن رب المال مات ، والمضاربة في يد المضارب عين ، أو متاع فسافر به المضارب بعد موته ; لأن المال بالموت انتقل إلى الورثة ، ولم يوجد منهم الرضا بسفره به قط ، وما كان من رضا رب المال به ، قد انقطع بموته ، بمنزلة نهيه عن المسافرة بالمال إذا بلغه ، فالنهي لا يعمل في حقه ما لم يعلم به ، ولا فرق في الموت بين أن يعلم به أو لا يعلم ; لأنه عزل حكمي فلا يتوقف على العلم به كعزل الوكيل بموت الموكل .