وإذا
دفع العبد المأذون إلى رجل مالا مضاربة فهو جائز ; لأن هذا من صنيع التجار وهو منفك الحجر عنه فيما هو من صنيع التجار فإن اشترط أن يعمل مولاه معه على أن للعبد نصف الربح ، وللمضارب ربعه ، وللمولى ربعه ولا دين على العبد ، فالمضاربة فاسدة ; لأن المولى يستحق الربح هنا بملك المال فلا يجوز اشتراط عمله فيه .
وإن كان الدافع عبده ; ولأنه لا يجوز أن يكون هو مضاربا لعبده في عمله في المال هنا لو دفعه إليه وحده ، فلهذا كان اشتراط عمله مفسدا للعقد .
وإن كان عليه دين جاز على ما اشترطوا ; لأن عند
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة - رحمه الله - المولى لا يملك كسب عبده المديون فهو إنما يستحق الربح بعمله هنا لا بملك المال كأجنبي آخر .
وعندهما وإن كان هو يملك كسب عبده إلا أن حق
[ ص: 88 ] الغرماء في كسبه مقدم على حق المولى ، ويجوز أن يكون المولى مضاربا وحده في هذا المال لاعتبار حق الغرماء ، فكذلك يجوز اشتراط عمله مع المضارب ، ويكونان كالمضاربين في هذا المال ، ولو
كان العبد اشترط عمل نفسه مع المضارب ولا دين عليه فالمضاربة فاسدة ; لأن العبد متصرف لنفسه بحكم انفكاك الحجر عنه فهو كالمالك في هذا المال ، ويده فيه يد نفسه ، فاشتراط عمله بعد التخلية بين المضارب والمال فلهذا فسدت المضاربة وللمضارب أجر مثل عمله على العبد ; لأنه هو الذي استأجره للعمل .
ولو
كان الدافع مكاتبا واشترط أن يعمل مولاه مع المضارب جاز ; لأن المولى من كسب مكاتبه أبعد منه من كسب العبد المديون ، وهو يجوز أن يكون مضاربا في هذا المال وحده ، فكذلك مع غيره فإن عجز قبل العمل ولا دين عليه فسدت المضاربة ; لأن المال صار مملوكا للمولى ، وصار بحيث يستحق ربحه بملكه المال ، وقد بينا أن الفساد الطارئ بعد العقد قبل حصول المقصود به كالمقترن بالعقد ; فلهذا فسدت المضاربة فإن اشتريا بعد ذلك وباعا وربحا فالربح كله لرب المال ، والأجر للمضارب في عمله ; لأن رب المال لم يستأجره للعمل والمكاتب بالعجز صار عبدا محجورا عليه ، واستئجار العبد المحجور عليه غيره للعمل في مال مولاه باطل ، واستئجار المكاتب لو كان صحيحا في حال الكتابة يبطل بعجزه فكيف يثبت حكم الاستئجار بعد عجزه ؟ ، موجبا للأجر عليه ، ولو كانا اشتريا بالمال جارية ثم عجز المكاتب فباعا الجارية بغلام ، ثم باعا الغلام بأربعة آلاف درهم فإن المولى يستوفي منها رأس ماله وما بقي فهو بينهما على ما اشترطا ; لأن عجز المكاتب هنا بمنزلة موته ، أو بمنزلة موت الحر ، والموت لا يبطل المضاربة ما دام المال عروضا وإنما يبطل إذا صار المال نقدا فهنا كذلك .