قال - رحمه الله - وإذا
دفع إلى رجل أرضا مزارعة بالنصف يزرعها هذه السنة ببذره وبقره ولما تراضيا على ذلك قال الذي أخذ الأرض مزارعة : قد بدا لي في ترك زرع هذه السنة ، أو قال أريد أن أزرع أرضا أخرى سوى هذه فله ذلك ; لأن المزارعة على قول من يجيزها إجارة ، والإجارة تنقض بالعذر ، وترك العمل الذي استأجر العين لأجله عذر له في فسخ العقد كمن استأجر حانوتا ليتجر فيه ، ثم بدا له ترك التجارة يكون ذلك عذرا له في الفسخ ، وكذلك لو
استأجر أرضا بدراهم أو بدنانير ليزرعها ثم بدا له ترك الزراعة يكون ذلك عذرا له في الفسخ وهذا ; لأن الإجارة جوزت لحاجة المستأجر ، ففي إلزام العقد إياه بعد ما بدا له ترك ذلك العمل إضرار به فيؤدي إلى أن يعود إلى موضوعه بالإبطال ، والضرر عذر في فسخ العقد
[ ص: 26 ] اللازم ، وكذلك إن قال أريد أن أزرع أرضا أخرى ; لأن البذر من قبله وفي إلقاء البذر في الأرض إتلاف البذر ، وقد يحصل الخارج ، وقد لا يحصل الخارج ، وفي إلزام العقد صاحب البذر قبل الإلقاء في الأرض إضرار به من حيث إنه يلزم إتلاف ملكه وذلك لا يجوز ، ثم له في ترك هذه الأرض وزرعه أرضا أخرى غرض صحيح فتلك الأرض مملوكة له أو يمنحه إياها صاحبها ، أو تكون أكثر ريعا من هذه الأرض فلا يجوز لنا أن نلزمه زراعة هذه الأرض شاء أو أبى ، وهكذا لو كان استأجرها بدراهم أو دنانير إلا أن هناك لا يفسخ العقد إذا أراد زراعة أرض أخرى ; لأن في إبقاء العقد بينهما مع اختياره أرضا أخرى للزراعة منفعة لصاحب الأرض ، وهو أنه استوجب الأجر دينا في ذمته بالتمكن من الانتفاع وإن لم يزرع ، وفي المزارعة لا فائدة في إبقاء العقد مع امتناعه من زراعة هذه الأرض ; لأن حق صاحب الأرض في الغلة ، والغلة لا تحصل بدون الزراعة فلهذا قلنا يفسخ العقد بينهما ، ثم في الاستئجار بالدراهم إذا أراد ترك الزراعة أصلا يكون ذلك عذرا ; لأنه يتحرز عن إتلاف البذر بإلقائه في الأرض ، وإذا أراد أن يزرع أرضا أخرى لا يكون ذلك عذرا له ، وذلك لا يصير مستحقا له بمطلق العقد ، وإذا كان البذر من جهة رب الأرض أجبر العامل على أن يزرعها إن أراد ترك الزراعة سنته تلك أو لم يرد ; لأن العامل هنا أجير لرب الأرض ، وعلى الأجير الإيفاء بما التزم بعد صحة العقد وهذا ; لأنه ليس في إيفاء العقد إلحاق ضرر به سوى ما التزمه بالعقد ; لأنه التزم بالعقد إقامة العمل وهو قادر على إقامة العمل ، كما التزمه بالعقد ، وموجب العقود اللازمة وجوب تسليم المعقود عليه ، فأما في الفصل الأول ففي إلزام العقد إياه إلحاق ضرر به فيما لم يتناوله العقد ; لأن البذر ليس بمعقود عليه ، وفي إلقائه في الأرض إتلافه وإن بدا لرب الأرض والبذر أن يترك الزراعة في تلك الأرض ، أو في غيرها فله ذلك ; لأنه في إلزام العقد إياه إتلاف بذره ، والبذر ليس بمعقود عليه فلا يجوز أن يلزمه إتلافه بالإلقاء في الأرض إنما هو موهوم عسى يحصل ، وعسى لا يحصل . وإن كان البذر من العامل لم يكن لصاحب الأرض أن يمنع الزارع من الزراعة ; لأنه مؤجر لأرضه ولا يلحقه بإيفاء العقد ضرر فيما لم يتناوله العقد ، وإنما الضرر عليه في إلزام تسليم الأرض ، وقد التزم ذلك بمطلق الزراعة إلا أن يكون له عذر ، والعذر دين لا يقدر على قضائه إلا من ثمن هذه الأرض ، فإن حبس فيه كان له أن يبيعها لقضاء الدين ; لأن في إيفاء العقد هنا إلحاق الضرر به فيما لم يتناوله العقد وهو تعينه ، وقد بينا في كتاب الإجارات أن
[ ص: 27 ] مثل هذا عذر له في فسخ الإجارة ، وأنه يفسخ العقد بنفسه في إحدى الروايتين ، وفي الرواية الأخرى القاضي هو الذي يتولى ذلك ببيعه في الدين على ما فسره في الزيادات