صفحة جزء
ولو دفع إليه الأرض على أن يزرعها ببذره سنته هذه على أن يزرعها حنطة فالخارج بينهما نصفان ، وإن زرعها شعيرا فلصاحب الأرض ثلثه ، وإن زرعها سمسما فلصاحب الأرض ربعه ، فهذا جائز على ما اشترطا لما بينا أن أوان لزوم العقد ، وانعقاد الشركة عند إلقاء البذر في الأرض ، وعند ذلك المعقود عليه معلوم والبذر معلوم . والجهالة قبل ذلك لا تفضي إلى المنازعة ، وإن زرعها بعضها حنطة ، وبعضها شعيرا ، وبعضها سمسما فذلك جائز في كل نوع على ما اشترطا اعتبارا للبعض بالكل ; لأنه لما رضي رب الأرض بأن يزرع كلها على صفة يكون راضيا بأن يزرع بعضها على تلك الصفة ، وبذلك البذر ، كما في المسألة الأولى ، وكذلك لو دفع إليه أرضا ثلاثين سنة على أن ما زرع فيها من حنطة أو شعير أو شيء من غلة الصيف أو الشتاء فهو بينهما نصفان ، وما غرس فيها من نخل أو شجر أو كرم فهو بينهما أثلاثا فلصاحب الأرض الثلث ، وللعامل الثلثان ، فهو بينهما على ما اشترطا سواء زرع الكل على أحد النوعين أو زرع بعضها ، وجعل في بعضها كرما قال : ولا يشبه البيوع في هذا الإجارات ، والإجارات في مثل هذا تجوز ، وذكر حماد عن إبراهيم - رحمه الله - قال سألته عن الأجير ، أقول له : إن عملت في كذا كذا فبكذا ، وإن عملت كذا فبكذا ؟ فقال : لا بأس به إنما يكره ذلك في البيوع . قيل : معنى هذا الفرق أن في البيوع إذا اشترى أحد شيئين ، وسمى لكل واحد منهما ثمنا ، ولم يشترط الخيار ثلاثة أيام لواحد منهما كان العقد فاسدا ، وفي الإجارات يكون العقد صحيحا بدون شرط الخيار ، كما في مسألة الخياطة والمزارعة ; لأن الثمن في البيع يجب بنفس العقد ، والعقد يلزم بنفسه فإذا لم يشترط الخيار فيه كان المعقود عليه مجهولا ، والثمن مجهولا عند لزوم العقد ، وهذه الجهالة تفضي إلى المنازعة ، وفي باب المزارعة العقد لا يلزم من جانب من البذر من قبله قبل إلقاء البذر في الأرض ، وفي الإجارة العقد ، وإن كان يلزم بنفسه ، ولكن البدل [ ص: 42 ] لا يجب إلا بالعمل ، وعند ذلك العمل والبدل معلوم ، وجهالة صفة العمل قبل ذلك لا تفضي إلى المنازعة ، وقيل : بل مراده من هذا الفرق أن في البيع إذا قال : إلى شهر بكذا أو إلى شهرين بكذا فهذا يكون مفسدا للعقد لجهالة مقدار الثمن عند وجوبه بالعقد ، وفي الإجارة وجوب البدل عند إقامة العمل ، وكذلك في المزارعة انعقاد الشركة عند إلقاء البذر في الأرض ، وعند ذلك هو معلوم ، وفي بعض النسخ قال : ولا يشبه هذا البيوع والإجارات ، فهو إشارة إلى الفرق بين المزارعة والبيع والإجارة ، إذ في المزارعة له أن يزرع بعضها حنطة ، وبعضها شعيرا ، وفي الإجارة في مسألة الخياطة ليس له مثل ذلك ، وكذلك في البيع إذا اشترى أحد الثوبين على أنه بالخيار يأخذ أيهما شاء ، وسمى لكل واحد منهما ثمنا ليس له أن يلتزم العقد في نصف كل واحد منهما لما في التبعيض في البيع والإجارة من الضرر على البائع ، وعلى صاحب الثوب ، وذلك لا يوجد في المزارعة ; لأنه ليس في زرعه البعض حنطة والبعض شعيرا معنى الإضرار بصاحب الأرض ، ثم فرق أبو يوسف - رحمه الله - ومحمد - رحمه الله - بين الإجارة والمزارعة فيما إذا استأجر بيتا على أنه إن قعد فيه طحانا فله عشرة دراهم وإن قعد يبيع الطعام فيه فأجره خمسة دراهم فالعقد فاسد في قولهما ، وهو قول أبي حنيفة الأول - رحمه الله - وقد بينا المسألة في الإجارات ، والفرق لهما بين هذه المسألة ، وبين مسألة المزارعة أن هناك يجب الأجر بالتخلية وإن لم يسكنها المستأجر ، وعند التخلية مقدار ما يجب عليه من الأجر مجهول ، وأما في المزارعة فالشركة لا تنعقد إلا بإلقاء البذر في الأرض ، وعند ذلك حصة كل واحد منهما معلومة ، فيكون هذا قياس مسألة الخياطة الرومية والفارسية على ما بينا

التالي السابق


الخدمات العلمية