وإذا
دفع الرجل إلى رجل أرضا عشر سنين على أن يزرعها ما بدا له على أن ما أخرج الله - تعالى - في ذلك من [ ص: 53 ] شيء فهو بينهما نصفان ، فغرسها نخلا أو كرما أو شجرا فأثمر ولم يبلغ الثمر حتى مات المزارع أو رب الأرض ، فالثمر بمنزلة الزرع الذي لم يبلغ في جميع ما بينا ; لأن لإدراك الثمار نهاية معلومة ، كالزرع فيبقى العقد بعد موت أحدهما إلى وقت الإدراك ، لما فيه من النظر لهما ، وليس فيه كثير ضرر على صاحب الأرض ، ولو مات رب الأرض ، وليس فيه ثمر انتقضت المزارعة ، وصار الشجر بين ورثة الميت وبين المزارع نصفين ; فإن الشجر كالبناء ليس له نهاية معلومة في تفريغ الأرض منه ، وفي إبقاء العقد إضرار بصاحب الأرض ، وهو الوارث .
( ألا ترى ) أن المستعير لو زرع الأرض ثم بدا للمعير أن يستردها يبقى زرع المستعير إلى وقت الإدراك بأجر ولا يفعل مثله في الشجر والبناء ، فهذا مثله ، وكذلك لو مات المزارع ، وبقي صاحب الأرض ، فإن قال المزارع : أنا آخذ من الورثة نصف قيمة الغرس لم يكن له ذلك ، والخيار فيه إلى صاحب الأرض أو ورثته إن كان ميتا إن شاءوا قلعوا ذلك ، وكان بينهم ، وإن شاءوا أعطوا المزارع أو ورثته نصف قيمة ذلك ; لأن الأشجار مشتركة بينهما ، وهي في أرض صاحب الأرض ، فيكون بمنزلة البناء المشترك بينهما في أرض أحدهما ، والخيار في التملك بالقيمة إلى صاحب الأرض دون الآخر ; لأن البناء والشجر تبع للأرض حتى يدخل في البيع من غير ذكر بمنزلة الصبغ في الثوب ولو اتصل صبغ إنسان بثوب غيره كان الخيار في التملك إلى صاحب الثوب لا إلى صاحب الصبغ ، وهذا ; لأن الآخر لا يمكنه أن يتملك الأرض عليه ; لأن الأرض أصل فلا تصير تبعا لما هو تبع له وهو الشجر ، ولا في أن يتملك نصيبه من الأشجار ; لأنه لا يستحق حق قرار الأشجار بهذه الأرض ، ولكن يؤمر بالقلع ، وصاحب الأرض إن تملك عليه نصيبه من الأشجار كان ذلك مفيدا له ; لأنه يستحق حق قرار جميع هذه الأشجار في أرضه ; فلهذا كان الخيار لصاحب الأرض ، وكذلك لو كانا حيين ، فلحق رب الأرض دين ، ولا وفاء عنده إلا من ثمن الأرض ، ولا ثمر في الشجر فإن القاضي ينقض الإجارة ، ويجبر رب الأرض ، فإن شاء غرم نصف قيمة الشجر والنخل والكرم ، وإن شاء قلعه ; لأن سبب الدين الفادح بقدر إبقاء العقد بينهما فينقض القاضي الإجارة ليبيع الأرض في الدين ، ويكون ذلك بمنزلة انتقاض الإجارة بموت أحدهما ، وكذلك لو انقضت المدة ; لأن العقد قد ارتفع بانقضاء المدة ، وبقيت الأشجار مشتركة بينهما في أرض أحدهما ، ولو
كان العامل أخذ الأرض بدراهم مسماة لم يكن له في هذه الوجوه خيار ، ولا لصاحب الأرض ، ويقال له : اقلع شجرك ; لأن الأشجار من وجه تبع
[ ص: 54 ] للأرض ، ومن وجه أصل ; ولهذا جاز بيع الأشجار بدون الأرض ، فلا بد من اعتبار الشبهين ، فيقول لشبهه بالأصل من وجه : لا يكون لصاحب الأرض أن يتملك عليه بغير رضاه إذا لم يكن له شركة في الأشجار بمنزلة صاحب السفل لا يتملك على صاحب العلو علوه بالقيمة بغير رضاه ، ولشبهه بالتبع من وجه كان له أن يتملك عليه نصيبه إذا كان شريكا له في الأشجار ، وهذا ; لأنه إذا كان شريكا له في الأشجار فله أن يمنع شريكه من قلع الأشجار ; لأنه يبقي نصيبه من الأشجار في أرض نفسه ، فلا يكون لأحد أن يبطل هذا الحق عليه بالقلع بغير رضاه ، ولا يتمكن من قلع نصيب نفسه خاصة ; لأن ذلك لا يكون إلا بعد القسمة ، ولا تتحقق القسمة بينهما ما لم تقلع الأشجار ، فأما إذا كانت الأشجار كلها لأحدهما ، والأرض للآخر فصاحب الأشجار متمكن من قلع أشجاره على وجه لا يكون فيه ضرر على صاحب الأرض ; فلهذا لا يكون لصاحب الأرض أن يتملك عليه الأشجار بقيمتها بغير رضاه إلا أن يكون قلع ذلك يضر بالأرض إضرارا شديدا ويكون استهلاكا لها وفسادا ، فحينئذ يكون للمؤاجر أن يغرم للمستأجر ، لأن صاحب الأشجار ليس له أن يلحق الضرر الفاحش بصاحب الأرض ، وإذا كان في القلع ضرر فاحش فقد بعد القلع ، واحتبست الأشجار في ملك صاحب الأرض فتحبس بالقيمة بمنزلة من غصب ساحة ، وأدخلها في بنائه فإنه يضمن القيمة ، وليس لصاحب الساحة أن يأخذ الساحة ; لما فيه من الإضرار بصاحب البناء