وإذا
استأجر المريض رجلا يخدمه هذه السنة بجارية بعينها فلما وقعت الإجارة لم يخدمه حتى زادت الأمة وكانت قيمتها يوم وقعت الإجارة مثل أجر مثل الأجير فخدمه السنة كلها ، ودفع إليه الجارية فولدت عند الأجير ثم مات المريض ولا مال له غيرها - فللأجير من الجارية وأولادها مقدار أجر مثله والثلث مما يبقى بطريق الوصية ; لأنه لم يملكها بنفس العقد قبل استيفاء المنفعة ، فما زاد يكون على ملك المريض ، وتجعل هذه الزيادة كالموجودة عند العقد فيتمكن معنى الوصية بهذا الطريق حين سلم الجارية إليه بعد استيفاء الخدمة وحدوث الزيادة ; فإنما السالم له منها ومن أولادها مقدار أجر مثله عوضا عن الخدمة ، والثلث مما يبقى بطريق الوصية أعطي وصية من الجارية .
فإن بقي شيء كان له من أولادها في قياس قول
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة - رحمه الله - بناء على أصله أن في تنفيذ الوصية الجارية أصل والأولاد تبع على ما نبينه في الوصايا - إن شاء الله تعالى - ويقال له : أد قيمة ما بقي دراهم أو دنانير ، ورد الجارية وولدها ويكون لك أجر مثلك في مال الميت لأنه يلحقه عيب التبعيض ، ولم يكن هو راضيا بذلك فيكون له أن يردها بالعيب ، ولكن إذا ردها بطلت الوصية بالمحاباة له لأن ذلك كان في ضمن العقد وقد بطل العقد بالرد ، وإن أبى أن يردها أعطى الورثة قيمة ما بقي لإزالة المحاباة ودفع الضرر عن الورثة ، وبرد القيمة يندفع الضرر عنهم ، وثبوت الخيار له في الرد لهذا المعنى أيضا وهو أنه يلزمه زيادة لم
[ ص: 134 ] يرض بالتزامها فيكون له أن يردها لذلك .
ولو كانت الجارية حين وقعت الإجارة دفعها المريض إلى الأجير فلم يخدم الأجير حتى زادت في يده وصارت قيمتها أكثر من أجر مثله ثم خدمه بعد ذلك حتى تمت السنة ، ومات المريض ولم يدع مالا غيرها وقد ولدت الجارية أولادا - فالجارية وجميع أولادها للأجير ; لأنه بالقبض قد ملكها وليس فيها فضل فتم ملكه في جميعها لانعدام المحاباة ، ثم الزيادة حدثت على ملك تام له فيكون سالما له ، وكذلك إن كان الأجير أحد ورثته إلا أن يكون ولدا أو زوجة فرد الجارية وولدها فيكون بينهم ميراثا ; لأن استئجار الولد والزوجة على الخدمة لا يجوز ، ولا يستوجبون الأجر بهذا العقد فتثبت هي في يد الأجير بسبب باطل فعليه أن يردها مع الزيادة ، بخلاف المزارعة والمعاملة لأن الولد والزوجة في ذلك العمل كسائر الورثة فإنه غير مستحق عليهما دينا بخلاف الخدمة .
وإن لم يكن من ورثته وكان على الميت دين يحيط بماله فإن كانت الجارية لا فضل فيها عن أجر مثله يوم قبضها الأجير قسمت هي وولدها بين الغرماء وبينه ، ويضرب في ذلك الأجير بقيمتها وقيمة ولدها لأنه لا محاباة في تصرفه هنا ; ولكن فيه تخصيص الأجير بقضاء حقه من ماله وذلك يرد لحق الغرماء ، إلا أن الولد حدث على ملك صحيح له ; فلهذا ضرب مع الغرماء بقيمتها وقيمة ولدها ، فما أصابه كان له في الجارية ، وما أصاب الغرماء قيل له : أد قيمة ذلك إلى الغرماء دراهم أو دنانير ; لأن حقهم في المالية لا في العين ، وبأداء القيمة يصل إليهم كمال حقهم ويندفع عنه ضرر التبعيض ، فإن أبى ذلك بيعت الجارية وولدها فقسم الثمن بينه وبين الغرماء ، يضرب الغرماء بدينهم ويضرب الأجير بأجر مثله ; لأنه حين أبى ذلك تعذر ردها بسبب عيب التبعيض أو بما لحقه من زيادة مال لم يرض بالتزامه بعقد المعاوضة ، والأجرة إذا كانت بعينها فردت بالعيب ينفسخ العقد وتبقى المنفعة مستوفاة بحكم عقد قد انفسخ فيكون رجوعه بأجر مثله ; فلهذا يضرب بأجر مثله .
وفي هذا نوع إشكال : فإن الزيادة المنفصلة المتولدة بعد تمام الملك تمنع الرد بالعيب فيبقى أن لا يكون له أن يردها ولكن يغرم للغرماء قيمة الزيادة دراهم أو دنانير ، ويمكن أن يقال : الزيادة إنما تمنع الرد إذا لم يجب ردها مع الأصل ، فإنه لا يجوز أن يسلم بغير عوض بعد رد الأصل ، وهذا لا يوجد هنا ، فإن حق الغرماء ثابت في الزيادة كما هو ثابت في الأم ; لأنه إن لم يثبت حقهم فيه باعتبار صحة السبب وخلوه عن المحاباة - فقد ثبت حقهم فيه ببطلان تخصيص الأجير بإيفاء حقه مراعاة لحقهم .
وإن كان في قيمة الجارية يوم قبضها الأجير فضل عن أجر مثله ، وكانت قيمتها يوم وقعت [ ص: 135 ] الإجارة مثل أجر الأجير إلا أن الأجير لم يخدم المريض حين قبض الجارية يضرب الأجير في الجارية وولدها بمقدار أجر مثله ، فما أصابه كان له في الجارية وولدها وقيل له : أد قيمة ما أصاب الغرماء ، فإن أبى بيعت الجارية وولدها واقتسموا الثمن يضرب فيه الأجير بأجر مثله ; لأنه لم يملكها بنفس العقد وإنما يملكها بالقبض ، وعند القبض لما كانت قيمتها أكثر من أجر مثله بقيت موقوفة على حق المريض لتمكن الوصية فيها بطريق المحاباة ; فلهذا كان التخريج على ما قال .