قال الشيخ الإمام الأجل الزاهد شمس الأئمة ، وفخر الإسلام
أبو بكر محمد بن أبي سهل السرخسي رحمه الله تعالى إملاء الإكراه : اسم لفعل يفعله المرء بغيره ، فينتفي به رضاه ، أو يفسد به اختياره من غير أن تنعدم به الأهلية في حق المكره أو يسقط عنه الخطاب ; لأن المكره
[ ص: 39 ] مبتلى ، والابتلاء يقرر الخطاب ، ولا شك أنه مخاطب في غير ما أكره عليه ، وكذلك فيما أكره عليه حتى يتنوع الأمر عليه فتارة يلزمه الإقدام على ما طلب منه ، وتارة يباح له ذلك ، وتارة يرخص له في ذلك ، وتارة يحرم عليه ذلك ، فذلك آية الخطاب ، ولذلك لا ينعدم أصل القصد ، والاختيار بالإكراه ، كيف ينعدم ذلك ، وإنما طلب منه أن يختار أهون الأمرين عليه ، وزعم بعض مشايخنا رحمهم الله : أن
أثر الإكراه التام في الأفعال في نقل الفعل من المكره إلى المكره ، وهذا ليس بصحيح ، فإنه لا يتصور نقل الفعل الموجود من شخص إلى غيره ، والمسائل تشهد بخلاف هذا أيضا ، فإن
البالغ إذا أكره صبيا على القتل يجب القود على المكره ، وهذا الفعل في محله غير موجب للقود ، فلا يصير موجبا بانتقاله إلى محل آخر ، ولكن الأصح أن
تأثير الإكراه في جعل المكره آلة للمكره ، فيصير الفعل منسوبا إلى المكره بهذا الطريق ، وجعل المكره آلة لا باعتبار أن بالإكراه ينعدم الاختيار منه أصلا ، ولكن ; لأنه يفسد اختياره به لتحقق الإلجاء فالمرء مجبول على حب حياته ، وذا يحمله على الإقدام على ما أكره عليه فيفسد به اختياره من هذا الوجه ، والفاسد في معارضة الصحيح كالمعدوم فيصير الفعل منسوبا إلى المكره لوجود الاختيار الصحيح منه ، والمكره يصير كالآلة للمكره لانعدام اختياره حكما في معارضة الاختيار الصحيح ، ولهذا اقتصر على ما يصلح أن يكون آلة له فيه دون ما لا يصلح كالتصرفات قولا ، فإنه لا يتصور تكلم المرء بلسان غيره ، وتأثير الإكراه في هذه التصرفات في انعدام الرضا من المكره بحكم الشبه . وشبهه بعض أصحابنا رحمهم الله بالهزل ، فإن الهزل عدم الرضا بحكم السبب مع وجود القصد ، والاختيار في نفس السبب ، فالإكراه كذلك إلا أن الهازل غير محمول على التكلم ، والمكره محمول على ذلك ، وبذلك لا ينعدم اختياره كما بينا ، وشبهه بعضهم باشتراط الخيار ، فإن شرط الخيار يعدم الرضا بحكم السبب دون نفس السبب ، ثم في الإكراه يعتبر معنى في المكره ، ومعنى في المكره ، ومعنى فيما أكره عليه ، ومعنى فيما أكره به ، فالمعتبر في المكره تمكنه من إيقاع ما هدده به ، فإنه إذا لم يكن متمكنا من ذلك ، فإكراهه هذيان .