ولو
أكرهه بوعيد تلف على أن يأخذ مال فلان ، فيدفعه إليه رجوت أن يكون في سعة من أخذه ، ودفعه إليه ; لأنه بمنزلة المضطر ، وقد بينا أنه يباح للمضطر أخذ مال الغير ليدفع به الضرورة عن نفسه ، ولكنه علق الجواب بالرجاء ; لأن هذا ليس في معنى المضطر من وجه فالعذر هناك ، وهو الجوع ما كان بصنع مضاف إلى العباد ، والخوف هنا باعتبار صنع مضاف إلى العبد ، وبينهما ، فرق .
( ألا ترى ) أن المقيد إذا صلى قاعدا يلزمه الإعادة إذا أطلق عنه القيد بخلاف المريض قال : والضمان فيه على الآمر ; لأن الإلجاء قد تحقق فيصير الأخذ ، والدفع كله منسوبا إلى الآمر ، والمكره بمنزلة الآلة له ، وإنما يسعه هذا ما دام حاضرا عند الآمر ، فإن كان أرسله ليفعل ، فخاف أن يقتله إن ظفر به ، ولم يقل إن لم يفعل ما هدد به لم يحل الإقدام على ذلك ; لأن الإلجاء إنما يتحقق ما دام في يد المكره بحيث يقدر على إيقاع
[ ص: 78 ] ما هدده به عاجلا ، وقد انعدم ذلك حين بعد عنه ، ولا يدري أيقدر عليه بعد ذلك ، أو لا يقدر ؟ ، وبهذا الفصل تبين أنه لا عذر لأعوان الظلمة في أخذ الأموال من الناس ، فإن الظالم يبعث عاملا إلى موضع ليأخذ مالا ، فيتعلل العامل بأمره ، وإنه يخاف العقوبة من جهته إن لم يفعل ، وليس ذلك بعذر له إلا أن يكون بمحضر من الآمر ، فأما بعد ما بعد من الظالم ، فلا إلا أن يكون رسول الآمر معه على أن يرده عليه إن لم يفعل ، فيكون هذا بمنزلة الذي كان حاضرا عنده ; لأن كونه تحت يد رسوله ككونه في يده ، ويتمكن الرسول من رده إليه ليعاقبه بتحقق الإلجاء ، ولو لم يفعل ذلك حتى قتله كان في سعة إن شاء الله ; لأنه تحرز عما هو من مظالم العباد ، وذلك عزيمة .
( ألا ترى ) أن للمضطر أن يأخذ طعام صاحبه بقدر ما تندفع عنه الضرورة به ، ولو لم يأخذه حتى تلف لم يكن مؤاخذا به ، فهذا مثله ، ولو كان المكره هدده بالحبس ، أو القيد لم يسعه الإقدام على ذلك لأن الإلجاء والضرورة بهذا التهديد لا يتحقق .