ولو
أكرهه بوعيد تلف على الصدقة في الكفارة ففعل ذلك نظر فيما
[ ص: 145 ] تصدق به ، فإن كانت قيمته أقل من قيمة الرقاب ، ومن أدنى الكسوة التي تجزئ لم يضمن المكره شيئا لتيقننا بوجوب هذا المقدار من المال عليه في التكفير ، فيكون المكره مكتسبا سبب إسقاط الواجب عنه ، وإن كان أكثر قيمة من غيرها ضمنه الذي أكرهه ; لأنه لا يغبن في وجوب هذا المقدار عليه ، ولا هذا النوع بل هو مخير شرعا بين الأنواع الثلاثة ويخرج عن الكفارة باختياره أقلها ، فيكون المكره متلفا عليه هذا النوع بغير حق ، فيضمنه له ، ولا يجزئه عن الكفارة وإن قدر على الذي أخذه منه كان له أن يسترده ; لأنه كان مكرها على التسليم إليه ، وتمليكه إياه مع الإكراه فاسد ، فيتمكن من استرداده ، وإن كان أكرهه بالحبس لم يضمن المكره شيئا ; لأن الفعل لا يصير منسوبا إليه بهذا الإكراه ، ولكنه يرجع به على الذي أخذ منه ; لأنه ما كان راضيا بالتسليم إليه والتمليك مع الإكراه بالحبس .
فإن أمضاه له بعد ذلك بغير إكراه أجزأه إن كان قائما ، وإن كان مستهلكا لم يجزه ; لأنه إذا كان قائما في يده ، فإمضاؤه بمنزلة ابتداء التصدق عليه ، وإن كان مستهلكا ، فهو دين عليه ،
والتصدق بالدين على من هو عليه لا يجزئ عن الكفارة ، وكذلك هذا في كفارة الظهار ، وقد قال بعض مشايخنا رحمهم الله : إنه إذا
أكرهه في كفارة الظهار على عتق عبد بعينه ، وذلك أدنى ما يجزئ في الكفارة لا يكون على المكره فيه ضمان ، ويجزيه عن الكفارة ; لأنا تيقنا أن ذلك القدر واجب عليه ، فالتكفير بالعتق عين في الظهار ، والأصح أن ذلك لا يجزيه ، وعلى المكره قيمته ; لأنه وإن لم يكن ظالما له في القدر ، فهو ظالم له في العين إذ ليس عليه إعتاق هذا بعينه ، وللناس في الإعتاق أغراض فيلزم المكره الضمان بهذا الطريق ، وإذا لزمه الضمان لم يجزه عن الكفارة قال : وكذلك
كل شيء وجب لله تعالى عليه من بدنة ، أو هدي ، أو صدقة ، أو حج ، فأكره على أن يمضيه ، ففعل ، ولم يأمره المكره بشيء بعينه ، فلا ضمان على المكره ، ويجزئ عن الرجل ما أمضاه ، ولأن المكره محتسب حين لم يزد على أمره بإسقاط الواجب ، والوفاء بما التزمه ، وقد قال الله تعالى {
، وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم } .
فإن
، أوجب شيئا بعينه على نفسه صدقة في المساكين ، فأكره بحبس ، أو قيد على أن يتصدق بذلك جاز ما صنع منه ، ولم يرجع على المكره بشيء ; لأن الوفاء بما التزمه مستحق عليه شرعا كما التزمه ، فإذا التزم التصدق بالعين كان عليه الوفاء به في ذلك العين ، والمكره ما زاد في أمره على ذلك ، فلا يرجع عليه بشيء ، وكذلك
الأضحية ، وصدقة الفطر لو أكره عليهما رجل حتى فعلهما أجزأه ، ولم يرجع على المكره بشيء ; لأن ذلك واجب عليه شرعا ، وهذا الجواب في الأضحية بناء على ظاهر الرواية أنها واجبة ومقصوده
[ ص: 146 ] أن يبين أن الواجب الذي يثبت للإمام فيه ولاية الأخذ ، والذي لا يثبت له في ذلك ، ولكن من عليه يقضي بأدائه في حكم الإكراه سواء .