ولو
أكره بالقتل على أن يزني لم يسعه أن يفعل ، فإن فعل ، وكان محرما فسد إحرامه ، وعليه الكفارة دون الذي أكرهه لما بينا أن فعله جناية على إحرامه وهو في الجناية على إحرامه لا يصلح أن يكون آلة لغيره ولو
أكرهت امرأة محرمة بالقتل على الزنا ، وسعها أن تمكن من نفسها ، وقد بينا الفرق بين جانبها ، وجانب الرجل في حكم الإثم ، فأما فساد الإحرام فلا فرق حتى يفسد إحرامها ، ويجب عليها الكفارة دون المكره ; لأن تمكينها من نفسها جناية على إحرامها ، وهي لا تصلح في ذلك آلة للمكره ، وإن لم تفعل حتى تقتل ، فهي في سعة من ذلك ; لأن حرمة الزنا ، والجماع في حالة الإحرام حرمة مطلقة فهي في الامتناع تتمسك بالعزيمة ، وفي كل موضع من هذه المواضع ، أوجبنا الكفارة على المكره لا يرجع به على المكره ; لأنه ألزمه كفارة يفي بها ، ولو رجع بها عليه يقضى بها عليه ، ولا يجوز أن يرجع عليه بأكثر مما التزمه ، وكل أمر أحله الله تعالى مثل ما أحل في الضرورة من الميتة ، وغيرها ، والفطر في المرض ، والسفر ، فلم يفعل حتى مات ، أو قتل ، فهو آثم ، وكل أمر حرمه الله تعالى ، ولم
[ ص: 155 ] يجئ فيه إحلال إلا أن فيه رخصة ، فأبى أن يأخذ بالرخصة حتى قتل ، فهو في سعة ; لأن هذا إغرار بالدين ، وليس في الأول إغرار بالدين .
( ألا ترى ) أن محرما لو اضطر إلى ميتة ، وإلى ذبح صيد حل له عندنا أكل الميتة ، ولم يحل له ذبح الصيد ما دام يجد الميتة ; لأن الميتة حلال في حال الضرورة ، والصيد جاء تحريمه على المحرم جملة ، ولأنه لو ذبح الصيد صار ميتة أيضا ، فيصير هو جامعا بين ذبح الصيد وتناول الميتة وإذا تناول الميتة كان ممتنعا من الجناية على إحرامه بقتل الصيد والحل لأجل الضرورة فإن كانت الضرورة ترتفع بأحدهما لم يكن له أن يجمع بينهما .