، ثم الحاصل أن السفه لا يجعل كالهزل في جميع التصرفات ، ولا كالصبا ، ولا كالمرض ، ولكن الحجر به لمعنى النظر له فالمعتبر فيه توفر النظر عليه ، وبحثه يلحق ببعض هذه الأصول
[ ص: 169 ] في كل حادثة ، فإن جاءت جاريته بولد فادعاه ثبت نسبه منه وكان الولد حرا لا سبيل عليه ، والجارية أم ولد له ، فإن مات كانت حرة لا سبيل عليها ; لأن توفر النظر في إلحاقه بالمصلح في حكم الاستيلاد ، فإنه محتاج إلى ذلك لإبقاء نسله ، وصيانة مائه ، ويلحق في هذا الحكم بالمريض المديون إذا ادعى نسب ولد جاريته كان هو في ذلك كالصحيح حتى أنها تعتق من جميع ماله بموته ، ولا تسعى هي ، ولا ولدها في شيء ; لأن حقه مقدم على حق غرمائه بخلاف ما لو أعتقها ، ولو لم يكن معها ولد ، وقال هذه أم ولد كانت بمنزلة أم الولد يقدر على بيعها ، فإن مات سعت في جميع قيمتها بمنزلة المريض إذا قال لجاريته وليس معها ولد : هذه أم ولدي ، وهذا ; لأنه إذا كان معها ولد ، فثبوت نسب الولد بمنزلة الشاهد لها في إبطال حق الغير فكذلك في دفع حكم الحجر عن تصرفه بخلاف ما إذا لم يكن معها ولد ، فإنه لا شاهد له هنا فإقراره لها بحق العتق بمنزلة إقراره بحقيقة الحرية ، فلا يقدر على بيعها بعد ذلك ، ويسعى في قيمتها بعد موته كما لو أعتقها ، ولو كان له عبد لم يولد في ملكه ، فقال : هذا ابني ، ومثله يولد لمثله فهو ابنه يعتق ، ويسعى في قيمته ; لأنه أصل العلوق ، ولما لم يكن في ملكه كانت دعواه دعوى تحرير ، فيكون كالإعتاق .
( ألا ترى ) أن
المريض المديون إذا قال لعبد لم يولد في ملكه هذا ابني عتق ، وسعى في قيمته ، ولو اشترى هذا المحجور عليه ابنه ، وهو معروف ، وقبضه كان شراؤه ، فاسدا ، ويعتق الغلام حين قبضه ، ويجعل في هذا الحكم بمنزلة شراء المكره ، فيثبت له الملك بالقبض ، ويعتق عليه ; لأنه ملك ابنه ثم يسعى في قيمته للبائع ولا يكون للبائع في مال المشتري شيء من ذلك ; لأنه ، وإن ملكه بالقبض فالتزام الثمن ، أو القيمة بالعقد منه غير صحيح لما في ذلك من الضرر عليه وهو في هذا الحكم ملحق بالصبي ، وإذا لم يجب على المحجور شيء لا يسلم له أيضا شيء من سعايته فتكون السعاية الواجبة على العبد للبائع ، ولو وهب له ابنه المعروف ، أو وهب له غلام ، فقبضه وادعى أنه ابنه ، فإنه يعتق ، ويلزمه السعاية في قيمته بمنزلة ما لو أعتقه .
( ألا ترى ) أن
المريض المديون لو وهب له ابنه المعروف ، أو وهب له غلام في مرضه ، فادعى أنه ابنه ، ثم مات سعى الغلام في قيمته لغرمائه ولو أن هذا الذي بلغ مفسدا تزوج امرأة جاز نكاحه ، وينظر إلى ما تزوجها عليه ، وإلى مهر مثلها ، فيلزمه أقلهما ويبطل
الفضل عن مهر مثلها مما سمى ، وهو في ذلك كالمريض المديون فإن التزوج من حوائجه ومن ضرورة صحة النكاح وجوب مقدار مهر المثل فأما الزيادة على ذلك فالتزام بالتسمية ، ولا نظر له في هذا الالتزام فلا تثبت هذه الزيادة كالمريض
[ ص: 170 ] إذا
تزوج امرأة بأكثر من صداق مثلها يلزمه من المسمى مقدار مهر مثلها فإذا طلقها قبل الدخول ، وجب لها نصف المهر في ماله ; لأن التسمية صحيحة في مقدار مهر المثل ، وتنصف المفروض بالطلاق قبل الدخول حكم ثابت بالنص .
وكذلك لو
تزوج أربع نسوة ، أو تزوج كل يوم واحدة ، ثم طلقها ، وبهذا يحتج
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة رحمه الله أنه لا فائدة في الحجر عليه ; لأنه لا ينسد باب إتلاف المال عليه ، وإنه يتلف ماله بهذا الطريق إذا أعجز عن إتلافه بطريق البيع ، والهبة ، وهو يكتسب المحمدة في البر والإحسان ، والمذمة في التزوج ، والطلاق قال : عليه الصلاة والسلام {
nindex.php?page=hadith&LINKID=32432لعن الله كل ذواق مطلاق } ، ولو حلف بالله أو نذر نذورا من هدي ، أو صدقة لم ينفذ له القاضي شيئا من ذلك ، ولم يدعه يكفر أيمانه بذلك ; لأنه حجره عن التصرف في ماله فيما يرجع إلى الإتلاف ، ولو لم يمنعه ذلك إذا ، أوجبه على نفسه لم يحصل المقصود بالحجر ; لأنه تيسر عليه النذر بالتصدق بجميع ماله ، ثم عليه أن يصوم لكل يمين حنث فيها ثلاثة أيام متتابعات ، وإن كان هو مالكا للمال ; لأن يده مقصورة عن ماله فهو بمنزلة ابن السبيل المنقطع عن ماله وبمنزلة من يكون ماله دينا على إنسان ، أو غصبا في يده ، وهو يأبى أن يعطيه ، فله أن يكفر بالصوم كذلك هنا .
ولو ظاهر هذا المفسد من امرأته صح ظهاره كما يصح طلاقه ، ويجزيه الصوم في ذلك لقصور يده عن ماله بمنزلة من كان ماله غائبا عنه ، فإن قيل : هناك لو كان في ماله عبد لم يجز له أن يكفر بالصوم قلنا ; لأن هناك يقدر على إعتاقه عن ظهاره ، وإن لم يكن في يده ، وهنا لا يقدر على ذلك ; لأنه لو أعتق عبده وجب على العبد السعاية في قيمته ، ومع وجوب السعاية عليه لا يجوز عتقه عن الظهار .
( ألا ترى ) أن
مريضا مصلحا لو أعتق عبده عن ظهاره ، أو قتله وعليه دين مستغرق ، ثم مات سعى الغلام في قيمته ولم يجز عن الكفارة للسعاية التي وجبت فلهذا ، أوجبنا عليه صوم شهرين متتابعين في كفارة الظهار ، والقتل فإن قيل : كان ينبغي أن ينفذ إعتاقه من غير سعاية ; لأن هذا مما يتقرب به إلى ربه ويسقط به الواجب عن ذمته ، فالنظر له في تنفيذه قلنا لو فتح عليه هذا الباب لكان إذا شاء أن يعتق عبدا من عبيده ، وقيل : له إن عتقك لا يجوز إلا بالسعاية ظاهر من امرأته ، ثم أعتق بعد ذلك العبد ، أو حلف بيمين ، وحنث فيها ، ثم أعتق ذلك ، فيحصل له مقصوده من التبذير بهذا الطريق ; لأنه يصير بعد هذا العتق بمنزلة من لم يظاهر ، فلزجره عن هذا القصد ، أوجبنا السعاية على العبد إذا أعتقه ، وعينا عليه التكفير بالصوم ، فإن صام المفسد أحد الشهرين ، ثم صار مصلحا لم يجزه إلا العتق بمنزلة معسر أيسر ; لأنه كان معسرا ابتداء ، وقد وصلت يده إلى المال
[ ص: 171 ] قبل سقوط الكفارة عنه بالصوم ، فعليه التكفير بالمال .