( ألا ترى ) أنه لو
قال أعطوني من مالي شيئا أتصدق به لم يعط ذلك فالذي يخرج بالحج تطوعا في المعنى ملتمس للزيادة على مقدار نفقته في منزله ليتقرب به إلى ربه ، فلا يعطى ذلك وإن كان موسرا كثير المال وقد كان الحاكم يوسع عليه في منزله بذلك ، فكان فيما يعطيه من النفقة ، فضل عن قوته ، فقال أنا أتكارى بذلك ، وأنفق على نفسي بالمعروف أطلق له ذلك من غير أن يدفع إليه النفقة ولكن يدفعها إلى ثقة ينفقها عليه على ما أراد ; لأن هذا التدبير دليل الرشد ، والصلاح ، وفيه نظر له ، فلا يمنعه القاضي منه ، فإن لم يقدر على الخروج ماشيا ومكث حراما ، فطال به ذلك حتى دخله من إحرامه ذلك ضرورة يخاف عليه من ذلك مرضا ، أو غيره ، فلا بأس إذا جاءت الضرورة أن ينفق عليه من ماله حتى يقضي إحرامه ، ويرجع ; لأن إيفاء ماله لتوفير النظر له لا للإضرار به ، ومن النظر هنا له أن يعطي له ما يحتاج إليه لأداء ما التزمه حتى يخرج من إحرامه ، وكذلك لو
أحصر في إحرام التطوع لم يبعث الهدي عنه ; لأنه باشره بسبب التزمه باختياره إلا أن يشاء أن يبعث بهدي من نفقته وإن شاء ذلك لا يمنع منه ; لأنه من باب النظر ، وحسن التدبير ، فإن لم يكن في نفقته ما يقدر على أن يبعث بذلك منه تركه على حاله حتى تأتي الضرورة التي وصفت لك ، ثم يبعث عنه بهدي من ماله يحل به .
وإنما ينظر في هذا إلى ما يصلحه ، ويصلح ماله ; لأن الحجر عليه لصيانة ماله ، فالمقصود إصلاح نفسه ، فينظر في كل شيء من ذلك إلى ما يصلحه ويصلح ماله ، فإذا
بلغت المرأة مفسدة ، فاختلعت من زوجها جاز الخلع ; لأن وقوع الطلاق في الخلع يعتمد وجوب القبول لا وجوب المقبول ، وقد تحقق القبول منها ، وكأن الزوج علق طلاقها بقبولها الجعل ، فإذا قبلت وقع الطلاق لوجود الشرط ، ولم يلزمها المال ، وإن صارت مصلحة ; لأنها التزمت المال لا بعوض هو مال ، ولا لمنفعة ظاهرة لها في ذلك فكان النظر في أن يجعل هذه كالصغيرة في هذا الحكم لا كالمريضة ، فإن كان الزوج طلقها تطليقة على ذلك المال ، فهو يملك رجعتها ; لأن وقوع الطلاق باللفظ الصريح لا يوجب البينونة إلا عند وجوب البدل ، ولم يجب البدل هنا بخلاف ما إذا كان بلفظ الخلع ، فإن مقتضى لفظ الخلع البينونة ، وقد قررنا هذا الفرق في حق الصغيرة في
[ ص: 175 ] كتاب الطلاق ، وهذا بخلاف الأمة التي يطلقها زوجها تطليقة على ألف درهم ، وقد كان دخل بها ، فإن الطلاق هناك بائن ; لأن قبول الأمة المال صحيح في حقها حتى يلزمها المال إذا أعتقت ، فلوجوب المال في ذمتها كان الطلاق بائنا وفي المفسدة ، والصغيرة المال لا يجب بقبولها أصلا حتى إذا كانت الأمة مع رقها مفسدة ممن لو كانت حرة لم يجز أمرها في مالها كان الطلاق رجعيا ; لأن التزامها المال لم يصح في حق نفسها حتى لا يلزمها المال إذا أعتقت .